للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٦ الى ٧]

إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧)

إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ إِن النفس التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض وقام قال:

نشأنا إلى خوص برى نهيا السُّرَى ... وَأَلْصِقَ مِنْهَا مُشْرِفَاتِ القَمْاحِدِ

أو قيام الليل على أن ال ناشِئَةَ له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى، أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت. هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أي كلفة أو ثبات قدم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وَطْئاً بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها، أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإِخلاص. وَأَقْوَمُ قِيلًا أي وأسد مقالاً أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات.

إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا تقلباً في مهماتك واشتغالاً بها فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الحق تستدعي فراغا. وقرئ «سبخاً» أي تفرق قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نفشه ونشر أجزائه.

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ٨ الى ٩]

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩)

وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ ودم على ذكره ليلاً ونهاراً، وذكر الله يتناول كل ما يذكر به من تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم. وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه، ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلاً.

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ خبر محذوف أو مبتدأ خبره: لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ وقرأ ابن عامر والكوفيون غير حفص ويعقوب بالجر على البدل من ربك، وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ. فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا مسبب عن التهليل، فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور.

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٠ الى ١١]

وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (١٠) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١)

وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ من الخرافات. وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال:

وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم. أُولِي النَّعْمَةِ أرباب التنعم، يريد صناديد قريش. وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا زماناً أو إمهالاً.

[سورة المزمل (٧٣) : الآيات ١٢ الى ١٤]

إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً (١٤)

إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا تعليل للأمر، والنكل القيد الثقيل. وَجَحِيماً.

وَطَعاماً ذَا غُصَّةٍ طعاماً ينشب في الحلق كالضريع والزقوم. وَعَذاباً أَلِيماً ونوعاً آخر من العذاب مؤلماً لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ولما كانت العقوبات الأربع مما تشترك فيها الأشباح والأرواح فإن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها والتعلق بها، عن التخلص إلى عالم المجردات متحرقة بحرقة الفرقة متجرعة غصة الهجران معذبة بالحرمان عن تجلي أنوار القدس، فسر العذاب بالحرمان عن لقاء الله تعالى.

يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ تضطرب وتتزلزل ظرف لما في إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا من معنى الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>