للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا حسنت في أعينهم وأشربت محبتها في قلوبهم حتى تهالكوا عليها وأعرضوا عن غيرها، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى إذ ما من شيء إلا وهو فاعله، ويدل عليه قراءة «زُيّنَ» على البناء للفاعل، وكل من الشيطان والقوة الحيوانية وما خلقه الله فيها من الأمور البهية والأشياء الشهية مزين بالعرض.

وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يريد فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب، أي يسترذلونهم ويستهزئون بهم على رفضهم الدنيا وإقبالهم على العقبى، ومن للابتداء كأنهم جعلوا السخرية مبتدأة منهم وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ لأنهم في عليين وهم في أسفل السافلين، أو لأنهم في كرامة وهم في مذلة، أو لأنهم يتطاولون عليهم فيسخرون منهم كما سخروا منهم في الدنيا، وإنما قال والذين اتقوا بعد قوله من الذين آمنوا، ليدل على أنهم متقون وأن استعلاءهم للتقوى. وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ في الدارين. بِغَيْرِ حِسابٍ بغير تقدير فيوسع في الدنيا استدراجاً تارة وابتلاء أخرى.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٣]]

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)

كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً متفقين على الحق فيما بين آدم وإدريس أو نوح أو بعد الطوفان، أو متفقين على الجهالة والكفر في فترة ادريس أو نوح. فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أي فاختلفوا فبعث الله، وإنما حذف لدلالة قوله فيما اختلفوا فيه. وعن كعب (الذي علمته من عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفاً والمرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر والمذكور في القرآن باسم العلم ثمانية وعشرون) . وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ يريد به الجنس ولا يريد به أنه أنزل مع كل واحد كتاباً يخصه، فإن أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصهم، وإنما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم. بِالْحَقِّ حال من الكتاب، أي ملتبساً بالحق شاهداً به. لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ أي الله، أو النبي المبعوث، أو كتابه. فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ في الحق الذي اختلفوا فيه، أو فيما التبس عليهم. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ في الحق، أو الكتاب. إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ أي الكتاب المنزل لإزالة الخلاف أي عكسوا الأمر فجعلوا ما أنزل مزيجا للاختلاف سبباً لاستحكامه. مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ حسدا بينهم وظلماً لحرصهم على الدنيا. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ أي للحق الذي اختلف فيه من اختلف. مِنَ الْحَقِّ بيان لما اختلفوا فيه. بِإِذْنِهِ بأمره أو بإرادته ولطفه. وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لا يضل سالكه.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢١٤]]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ خاطب به النبي صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات، تشجيعاً لهم على الثبات مع مخالفتهم. وأَمْ منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإِنكار وَلَمَّا يَأْتِكُمْ ولم يأتكم، وأصل لَمَّا لم زيدت عليها ما وفيها توقع ولذلك جعلت مقابل قد. مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ حالهم التي هي مثل في الشدة. مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ بيان له على الاستئناف. وَزُلْزِلُوا وأزعجوا إزعاجاً شديداً بما أصابهم من الشدائد. حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر. وقرأ نافع يقولُ بالرفع على أنه حكاية حال ماضية كقولك مرض حتى لا يرجونه. مَتى نَصْرُ اللَّهِ استبطاء له لتأخره. أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ استئناف على إرادة القول أي

<<  <  ج: ص:  >  >>