للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي فينتصب به إذ على التنازع. وقيل نصبه بإضمار اذكر، وهذه حنة بنت فاقوذ جدة عيسى، وكانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم أكبر من موسى وهارون فظن أن المراد زوجته ويرده كفالة زكريا فإنه كان معاصراً لابن ماثان وتزوج بنته ايشاع، وكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة من الأب

روي أنها كانت عاقراً عجوزاً، فبينما هي في ظل شجرة إذ رأت طائراً يطعم فرخه فحنت إلى الولد وتمنته فقالت: اللهم إن لك علي نذراً إن رزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه، فحملت بمريم وهلك عمران

. وكان هذا النذر مشروعاً في عهدهم للغلمان فلعلها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكراً مُحَرَّراً معتقاً لخدمته لا أشغله بشيء، أو مخلصاً للعبادة ونصبه على الحال. فَتَقَبَّلْ مِنِّي ما نذرته. إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ لقولي ونيتي.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٦]]

فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦)

فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى الضمير لما في بطنها وتأنيثه لأنه كان أنثى، وجاز انتصاب أنثى حالاً عنه لأن تأنيثها علم منه فإن الحال وصاحبها بالذات واحداً. أو على تأويل مؤنث كالنفس والحبلة.

وإنما قالته تحسراً وتحزناً إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكراً ولذلك نذرت تحريره. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ أي بالشيء الذي وضعت. هو استئناف من الله تعالى تعظيماً لموضوعها وتجهيلاً لها بشأنها. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب وَضَعَتْ على أنه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل الله سبحانه وتعالى فيه سراً، أو الأنثى كانت خيراً. وقريء «وَضَعَتْ» على أنه خطاب الله تعالى لها. وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى بيان لقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ أي وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت، واللام فيهما للعهد ويجوز أن يكون من قولها بمعنى وليس الذكر والأنثى سيان فيما نذرت فتكون اللام للجنس. وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ عطف على ما قبلها من مقالها وما بينهما اعتراض، وإنما ذكرت ذلك لربها تقرباً إليه وطلباً لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها فإن مريم في لغتهم بمعنى: العابدة. وفيه دليل على أن الاسم والمسمى والتسمية أمور متغايرة. وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ أجيرها بحفظك. وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ المطرود، وأصل الرجم الرمي بالحجارة.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل من مسه إلا مريم وابنها»

. ومعناه أن الشيطان يطمع في إغواء كل مولود يتأثر منه إلا مريم وابنها فإن الله تعالى عصمهما ببركة هذه الاستعاذة.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٣٧]]

فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)

فَتَقَبَّلَها رَبُّها فرضي بها في النذر مكان الذكر. بِقَبُولٍ حَسَنٍ أي بوجه حسن يقبل به النذائر، وهو إقامتها مقام الذكر، أو تسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح للسدانة.

روي أن حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت: دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، فإن بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا: أنا أحق بها، عندي خالتها فأبوا إلا القرعة، وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت أقلامهم فتكفلها زكريا

. ويجوز أن يكون مصدراً على تقدير مضاف أي بذي قبول حسن، وأن يكون تقبل بمعنى استقبل كتقضي وتعجل أي فأخذها في أول أمرها حين ولدت بقبول حسن. وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع أحوالها وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا شدد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا زكريا

<<  <  ج: ص:  >  >>