للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَّا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الخطاب لعامة المخلصين والمنافقين في عصره، والمعنى لا يترككم مختلطين لا يعرف مخلصكم من منافقكم حتى يميز المنافق من المخلص بالوحي إلى نبيه بأحوالكم، أو بالتكاليف الشاقة التي لا يصبر عليها ولا يذعن لها إلا الخلص المخلصون منكم، كبذل الأموال والأنفس في سبيل الله، ليختبر النبي به بواطنكم ويستدل به على عقائدكم.

وقرأ حمزة والكسائي حَتَّى يَمِيزَ، هنا وفي «الأنفال» بضم الياء وفتح الميم وكسر الياء وتشديدها والباقون بفتح الياء وكسر الميم وسكون الياء. وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ وما كان الله ليؤتي أحدكم علم الغيب فيطلع على ما في القلوب من كفر وإيمان، ولكن الله يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي إليه ويخبره ببعض المغيبات، أو ينصب له ما يدل عليها. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ بصفة الإِخلاص، أو بأن تعلموه وحده مطلعاً على الغيب وتعلموهم عباداً مجتبين لا يعلمون إلا ما علمهم الله ولا يقولون إلا ما أوحي إليهم

روي (أن الكفرة قالوا: إن كان محمد صادقاً فليخبرنا من يؤمن منا ومن يكفر) فنزلت

. عن السدي أنه عليه السلام قال: «عرضت عليَّ أمتي وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر»

. فقال المنافقون إن يزعم أنه يعرف من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فنزلت. وَإِنْ تُؤْمِنُوا حق الإِيمان. وَتَتَّقُوا النفاق.

فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ لا يقادر قدره.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٨٠]]

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)

وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ القراءات فيه على ما سبق. ومن قرأ بالتاء قدر مضافاً ليتطابق مفعولاه أي ولا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيراً لهم، وكذا من قرأ بالياء إن جعل الفاعل ضمير الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو من يحسب وإن جعله الموصول كان المفعول الأول محذوفاً لدلالة يبخلون عليه أي ولا يحسبن البخلاء بخلهم هو خيراً لهم. بَلْ هُوَ أي البخل. شَرٌّ لَهُمْ لاستجلاب العقاب عليهم. سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ بيان لذلك، والمعنى سيلزمون وبال ما بخلوا به إلزام الطوق،

وعنه عليه الصلاة والسلام «ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعله الله شجاعاً في عنقه يوم القيامة»

. وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وله ما فيهما مما يتوارث، فما لهؤلاء يبخلون عليه بماله ولا ينفقونه في سبيله، أو أنه يرث منهم ما يمسكونه ولا ينفقونه في سبيله بهلاكهم وتبقى عليهم الحسرة والعقوبة.

وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ من المنع والإِعطاء. خَبِيرٌ فمجازيهم. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بالتاء على الالتفات وهو أبلغ في الوعيد.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨١ الى ١٨٢]

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ مَا قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ قالته اليهود لما سمعوا مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

وروي (أنه عليه الصلاة والسلام كتب مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإِسلام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن يقرضوا الله قرضاً حسناً فقال فنحاص بن عازوراء: إن الله فقير حتى سأل القرض، فلطمه أبو بكر رضي الله عنه على وجهه وقال: لولا ما بيننا من العهد لضربت عنقك، فشكاه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجحد ما قاله) فنزلت

. والمعنى أنه لم يخف عليه وأنه أعد لهم العقاب

<<  <  ج: ص:  >  >>