للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوراة فأخبروه بخلاف ما كان فيها وأروه أنهم قد صدقوه وفرحوا بما فعلوا) فنزلت

. وقيل: نزلت في قوم تخلفوا عن الغزو ثم اعتذروا بأنهم رأوا المصلحة في التخلف واستحمدوا به. وقيل: نزلت في المنافقين فإنهم يفرحون بمنافقتهم ويستحمدون إلى المسلمين بالإِيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٨٩ الى ١٩٠]

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠)

وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو يملك أمرهم. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على عقابهم.

وقيل هو رد لقولهم إن الله فقير إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ لدلائل واضحة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته لذوي العقول المجلوة الخالصة عن شوائب الحس والوهم كما سبق في سورة البقرة، ولعل الاقتصار على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن مناط الاستدلال هو التغير، وهذه معترضة لجملة أنواعه فإنه إما أن يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار، أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورها أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها»

. [سورة آل عمران (٣) : آية ١٩١]

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١)

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ أي يذكرونه دائماً على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين،

وعنه عليه الصلاة والسلام «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله»

. وقيل معناه يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم

لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين: «صل قائما فطن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب تومئ إيماء»

. فهو حجة للشافعي رضي الله عنه في أن المريض يصلي مضطجعاً على جنبه الأيمن مستقبلاً بمقاديم بدنه. وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ استدلالاً واعتباراً، وهو أفضل العبادات كما

قال عليه الصلاة والسلام «لا عبادة كالتفكر»

. لأنه المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق،

وعنه عليه الصلاة والسلام: «بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم فقال: أشهد أن لك رباً وخالقاً: اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له»

. وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله. رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذا باطِلًا على إرادة القول أي يتفكرون قائلين ذلك، وهذا إشارة إلى المتفكر فيه، أي الخلق على أنه أريد به المخلوق من السموات والأرض، أو إليهما لأنهما في معنى المخلوق، والمعنى ما خلقته عبثاً ضائعاً من غير حكمة بل خلقته لحكم عظيمة من جملتها أن يكون مبدأ لوجود الإِنسان وسبباً لمعاشه ودليلاً يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك لينال الحياة الأبدية والسعادة السرمدية في جوارك. سُبْحانَكَ تنزيهاً لك من العبث وخلق الباطل وهو اعتراض. فَقِنا عَذابَ النَّارِ للإِخلال بالنظر فيه، والقيام بما يقتضيه. وفائدة الفاء هي الدلالة على أن علمهم بما لأجله خلقت السموات والأرض حملهم على الاستعاذة.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٩٢]]

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢)

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ غاية الإخزاء، وهو نظير قولهم: من أدرك مرعى الضمان فقد أدرك، والمراد به تهويل المستعاذ منه تنبيهاً على شدة خوفهم وطلبهم الوقاية منه، وفيه إشعار بأن العذاب الروحاني أفظع. وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ أراد بهم المدخلين، ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على

<<  <  ج: ص:  >  >>