للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبهه فقتل وصلب. وقيل (كان رجلاً ينافقه فخرج ليدل عليه، فألقى الله عليه شبهه فأخذ وصلب وقتل)

وقيل: (دخل طيطانوس اليهودي بيتاً كان هو فيه فلم يجده، وألقى الله عليه شبهه فلما خرج ظن أنه عيسى فأخذ وصلب. وأمثال ذلك من الخوارق التي لا تستبعد في زمان النبوة، وإنما ذمهم الله سبحانه وتعالى بما دل عليه الكلام من جراءتهم على الله سبحانه وتعالى، وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات الباهرة، وتبجحهم به لا بقولهم هذا على حسب حسبانهم، وشُبِّهَ مسند إلى الجار والمجرور كأنه قيل ولكن وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول أو في الأمر على قول من قال: لم يقتل أحد ولكن أرجف بقتله فشاع بين الناس، أو إلى ضمير المقتول لدلالة إنا قتلنا على أن ثم قَتيلاً. وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود: إنه كان كاذباً فقتلناه حقاً، وتردد آخرون فقال بعضهم: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وقال من سمع منه أن الله سبحانه وتعالى يرفعني إلى السماء: أنه رفع إلى السماء. وقال قوم: صلب الناسوت وصعد اللاهوت. لَفِي شَكٍّ مِنْهُ لفي تردد، والشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم ولذلك أكده بقوله: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ استثناء منقطع أي لكنهم يتبعون الظن، ويجوز أن يفسر الشك بالجهل والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره فيتصل الاستثناء. وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً قتلاً يقيناً كما زعموه بقولهم إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ، أو متيقنين. وقيل معناه ما علموه يقيناً كقول الشاعر:

كَذَاكَ تُخْبِرُ عَنْهَا العَالِمَاتُ بِهَا ... وَقَدْ قَتَلْتُ بِعِلْمِي ذلِكُمُ يَقِينا

من قولهم قتلت الشيء علماً ونحرته علماً إذا تبالغ في علمك.

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ رد وإنكار لقتله وإثبات لرفعه. وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً لا يغلب على ما يريده.

حَكِيماً فيما دبره لعيسى عليه الصلاة والسلام.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٥٩]]

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩)

وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي وما من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به، فقوله لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ جملة قسمية وقعت صفة لأحد ويعود إليه الضمير الثاني، والأول لعيسى عليه الصلاة والسلام.

والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين أن تزهق روحه ولا ينفعه إيمانه ويؤيد ذلك أنه قرئ. «إلا ليؤمنن به قبل موتهم» بضم النون لأن أحداً في معنى الجمع، وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الإِيمان به قبل أن يضطروا إليه ولم ينفعهم إيمانهم. وقيل الضميران لعيسى عليه أفضل الصلاة والسلام، والمعنى: أنه إذا نزل من السماء آمن به أهل الملل جميعا.

روي: أنه عليه الصلاة والسلام ينزل من السماء حين يخرج الدجال فيهلكه ولا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإِسلام، وتقع الأمنة حتى ترتع الأسود مع الإِبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات. ويلبث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه،

وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٠ الى ١٦١]

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١)

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا أي فبأي ظلم منهم. حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ يعني ما ذكره في

<<  <  ج: ص:  >  >>