للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ أي هو ممسك يقتر بالرزق وغل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود ولا قصد فيه إلى إثبات يد وغل وبسط ولذلك يستعمل حيث لا يتصور ذلك كقوله:

جَاَد الحِمَى بَسَطَ اليدينِ بِوَابل ... شَكَرَتْ نَدَاهُ تلاَعُهُ وَوِهَادُهُ

ونظيره من المجازات المركبة: شابت لمة الليل. وقيل معناه إنه فقير لقوله تعالى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا دعاء عليهم بالبخل والنكد أو بالفقر والمسكنة، أو بغل الأيدي حقيقة يغلون أسارى في الدنيا ومسحوبين إلى النار في الآخرة فتكون المطابقة من حيث اللفظ وملاحظة الأصل كقولك: سبني سب الله دابره. بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ثنى اليد مبالغة في الرد ونفي البخل عنه تعالى وإثباتاً لغاية الجود، فإن غاية ما يبذله السخي من ماله أن يعطيه بيديه، وتنبيهاً على منح الدنيا والآخرة وعلى ما يعطي للاستدراج وما يعطي للإِكرام. يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ تأكيد لذلك أي هو مختار في إِنفاقه يوسع تارة ويضيق أخرى على حسب مشيئته ومقتضى حكمته، لا على تعاقب سعة وضيق في ذات يد، ولا يجوز جعله حالاً من الهاء للفصل بينهما بالخبر ولأنها مضاف إليها، ولا من اليدين إذ لا ضمير لهما فيه ولا من ضميرهما لذلك. والآية نزلت في فنحاص بن عازوراء فإنه قال ذلك لما كف الله عن اليهود ما بسط عليهم من السعة بشؤم تكذيبهم محمداً صلّى الله عليه وسلّم وأشرك فيه الآخرون لأنهم رضوا بقوله: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً أي هم طاغون كافرون ويزدادون طغياناً وكفراً بما يسمعون من القرآن كما يزداد المريض مرضاً من تناول الغذاء الصالح للأصحاء. وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فلا تتوافق قلوبهم ولا تتطابق أقوالهم. كُلَّما أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ كلما أرادوا حرب الرسول صلّى الله عليه وسلّم وإثارة شر عليه ردهم الله سبحانه وتعالى بأن أوقع بينهم منازعة كف بها عنه شرهم، أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله عليهم بختنصر ثم أفسدوا فسلط عليهم فطرس الرومي، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلط عليهم المسلمين، وللحرب صلة أوقدوا أو صفة ناراً.

وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أي للفساد وهو اجتهادهم في الكيد وإثارة الحروب والفتن وهتك المحارم.

وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فلا يجازيهم إلا شرا.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ (٦٦)

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبما جاء به. وَاتَّقَوْا ما عددنا من معاصيهم ونحوه.

لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ التي فعلوها ولم نؤاخذهم بها. وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وجعلناهم داخلين فيها.

وفيه تنبيه على عظم معاصيهم وكثرة ذنوبهم، وأن الإِسلام يجب ما قبله، وإن جل وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم.

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ بإذاعة ما فيهما من نعت محمد عليه الصلاة والسلام والقيام بأحكامها. وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ يعني سائر الكتب المنزلة فإنها من حيث إنهم مكلفون بالإِيمان بها كالمنزل إليهم، أو القرآن لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات مّنَ السماء والأرض، أو يكثر ثمرة الأشجار وغلة الزروع، أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار. فيجتنونها من رأس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض بين بذلك أن ما كف عنهم بشؤم كفرهم ومعاصيهم لا لقصور الفيض، ولو أنهم آمنوا وأقاموا ما أمروا به لوسع عليهم وجعل لهم خير الدارين. مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>