للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]

قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨)

قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ تنبيه على ما يجب اتباعه بعد ما بين ما لا يجوز اتباعه. والبينة الدلالة الواضحة التي تفصل الحق من الباطل وقيل المراد بها القرآن والوحي، أو الحجج العقلية أو ما يعمها. مِنْ رَبِّي من معرفته وأنه لا معبود سواه، ويجوز أن يكون صفة لبينة. وَكَذَّبْتُمْ بِهِ الضمير لربي أي كذبتم به حيث أشركتم به غيره، أو للبينة باعتبار المعنى. مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ يعني العذاب الذي استعجلوه بقولهم:

فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ. إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ في تعجيل العذاب وتأخيره.

يَقْضِي بِالْحَقِّ أي القضاء الحق، أو يصنع الحق ويدبره من قولهم قضى الدرع إذا صنعها، فيما يقضي من تعجيل وتأخير وأصل القضاء الفصل بتمام الأمر، وأصل الحكم المنع فكأنه منع الباطل. وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم يَقُصُّ من قص الأثر، أو من قص الخبر. وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ القاضين.

قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي أي في قدرتي ومكنتي. مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب. لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي، وانقطع ما بيني وبينكم. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ في معنى الاستدراك كأنه قال: ولكن الأمر إلى الله سبحانه وتعالى وهو أعلم بمن ينبغي أن يؤخذ وبمن ينبغي أن يمهل منهم.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٩]]

وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩)

وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ خزائنه جمع مفتح بفتح الميم، وهو المخزن أو ما يتوصل به إلى المغيبات مستعار من المفاتح الذي هو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح، ويؤيده أنه قرئ «مفاتيح» والمعنى أنه المتوصل إلى المغيبات المحيط علمه بها. لاَ يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته، وفيه دليل على أنه سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها. وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عطف للأخبار عن تعلق علمه تعالى بالمشاهدات على الإِخبار عن اختصاص العلم بالمغيبات به. وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها مبالغة في إحاطة علمه بالجزئيات. وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ معطوفات على ورقة وقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ بدل من الاستثناء الأول بدل الكل على أن الكتاب المبين علم الله سبحانه وتعالى، أو بدل الاشتمال إن أريد به اللوح وقرئت بالرفع للعطف على محل ورقة أو رفعاً على الابتداء والخبر إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٦٠]]

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ينيمكم فيه ويراقبكم، استعير التوفي من الموت للنوم لما بينهم من المشاركة في زوال الإِحساس والتمييز فإن أصله قبض الشيء بتمامه. وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ كسبتم فيه خص الليل بالنوم والنهار بالكسب جرياً على المعتاد. ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ يوقظكم أطلق البعث ترشيحاً للتوفي فِيهِ في النهار. لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ليبلغ المتيقظ آخر أجله المسمى له في الدنيا ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ بالموت. ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمجازاة عليه. وقيل الآية خطاب للكفرة، والمعنى أنكم ملقون كالجيف بالليل وكاسبون للآثام بالنهار، وأنه سبحانه وتعالى مطلع على أعمالكم يبعثكم من القبور في شأن

<<  <  ج: ص:  >  >>