للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في زنة فاعل للمغالبة، فإن الزنة لما كانت للمغالبة والفعل متى غولب فيه، كان أبلغ منه إذا جاء بلا مقابلة معارض ومبار استصحبت ذلك، ويعضده قراءة من قرأ يَخْدَعُونَ. وكان غرضهم في ذلك أن يدفعوا عن أنفسهم ما يطرق به من سواهم من الكفرة، وأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين من الإكرام والإعطاء، وأن يختلطوا بالمسلمين فيطلعوا على أسرارهم ويذيعوها إلى منابذيهم إلى غير ذلك من الأغراض والمقاصد.

وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو. والمعنى: أن دائرة الخداع راجعة إليهم وضررها يحيق بهم. أو أنهم في ذلك خدعوا أنفسهم لما غروها بذلك. وخدعتهم أنفسهم حيث حدثتهم بالأماني الفارغة وحملتهم على مخادعة من لا تخفى عليه خافية.

وقرأ الباقون وَما يَخْدَعُونَ، لأن المخادعة لا تتصور إلا بين اثنين وقرئ و «يَخَدِعُونَ» من خدع و «يَخَدِعُونَ» بمعنى يختدعون و «يَخَدِعُونَ» و «يخادعون» على البناء للمفعول، ونصب أنفسهم بنزع الخافض، والنفس ذات الشيء وحقيقته، ثم قيل للروح لأن نفس الحي به، وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقه، وللدم لأن قوامها به، وللماء لفرط حاجتها إليه، وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه لأنه ينبعث عنها أو يشبه ذاتاً تأمره وتشير عليه. والمراد بالأنفس هاهنا ذواتهم ويحتمل حملها على أرواحهم وآرائهم.

وَما يَشْعُرُونَ لا يحسون لذلك لتمادي غفلتهم. جعل لحوق وبال الخداع ورجوع ضرره إليهم في الظهور كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على مؤوف الحواس. والشعور: الإحساس، ومشاعر الإنسان حواسه، وأصله الشعر ومنه الشعار.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٠]]

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً المرض حقيقة فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله. ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والضغينة وحب المعاصي، لأنها مانعة من نيل الفضائل، أو مؤدية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية. والآية الكريمة تحتملهما فإن قلوبهم كانت متألمة تحرقاً على ما فات عنهم من الرياسة، وحسداً على ما يرون من ثبات أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم واستعلاء شأنه يوماً فيوماً، وزاد الله غمهم بما زاد في إعلاء أمره وإشادة ذكره، ونفوسهم كانت موصوفة بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحوها، فزاد الله سبحانه وتعالى ذلك بالطبع. أو بازدياد التكاليف وتكرير الوحي وتضاعف النصر، وكان إسناد الزيادة إلى الله تعالى من حيث إنه مسبب من فعله وإسنادها إلى السورة في قوله تعالى فَزادَتْهُمْ رِجْساً لكونها سبباً.

ويحتمل أن يراد بالمرض ما تداخل قلوبهم من الجبن والخور حين شاهدوا شوكة المسلمين وإمداد الله تعالى لهم بالملائكة، وقذف الرعب في قلوبهم وبزيادته تضعيفه بما زاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصرة على الأعداء وتبسطاً في البلاد.

وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي: مؤلم يقال: ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع، وصف به العذاب للمبالغة كقوله:

تحيةُ بينِهمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ على طريقة قولهم: جد جده. بِما كانُوا يَكْذِبُونَ قرأها عاصم وحمزة والكسائي، والمعنى بسبب كذبهم، أو ببدله جزاء لهم وهو قولهم آمنا. وقرأ الباقون يَكْذِبُونَ، من كذبه لأنهم كانوا يكذبون الرسول عليه الصلاة والسلام بقلوبهم، وإذا خلوا إلى شياطينهم. أو من كذَّب الذي هو للمبالغة أو للتكثير مثل بين الشيء وموتت البهائم. أو من كذب الوحشي إذا جرى شوطاً وقف لينظر ما وراءه فإن المنافق متحير متردد.

والكذب: هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به. وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب حيث

<<  <  ج: ص:  >  >>