للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار، واللقاء مما غلب في القتال. فَاثْبُتُوا للقائهم. وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة، وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقاً بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال.

وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر أو أحد. فَتَفْشَلُوا جواب النهي.

وقيل عطف عليه ولذلك قرئ: «وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» بالجزم، والريح مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها. وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها الله

وفي الحديث «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» .

وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالكلاءة والنصرة.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٧]]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعني أهل مكة حين خرجوا منها لحماية العير. بَطَراً فخراً وأشراً. وَرِئاءَ النَّاسِ ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة، وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة وافاهم رسول أبي سفيان أن ارجعوا فقد سلمت عيركم فقال أبو جهل: لا والله حتى نقدم بدراً ونشرب فيها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب، فوافوها ولكن سقوا كأس المنايا وناحت عليهم النوائح، فنهى المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مرائين، وأمرهم بأن يكونوا أهل تقوى وإخلاص من حيث إن النهي عن الشيء أمر بضده. وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ معطوف على بطراً إن جعل مصدراً في موضع الحال وكذا إن جعل مفعولاً له لكن على تأويل المصدر. وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيجازيكم عليه.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٨]]

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مقدر باذكر. أَعْمالَهُمْ في معاداة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وغيرها بأن وسوس إليهم.

وَقالَ لاَ غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ مقالة نفسانية والمعنى: أنه ألقى في روعهم وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون لكثرة عددهم وعددهم، وأوهمهم أن اتباعهم إياه فيما يظنون أنها قربات مجير لهم حتى قالوا: اللهم انصر أهدى الفئتين وأفضل الدينين، ولكم خبر لا غالب أو صفته وليس صلته وإلا لانتصب كقولك: لا ضارباً زيداً عندنا. فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ أي تلاقى الفريقان. نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ رجع القهقرى أي بطل كيده وعاد ما خيل إليهم أنه مجيرهم سبب هلاكهم. وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ أي تبرأ منهم وخاف عليهم وأيس من حالهم لما رأى إمداد الله المسلمين بالملائكة، وقيل: لما اجتمعت قريش على المسير ذكرت ما بينهم وبين كنانة من الإِحنة وكاد ذلك يثنيهم،. فتمثل لهم إبليس بصورة سراقة بن مالك الكناني وقال لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم وإني مجيركم من بني كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل نكص وكان يده في يد الحرث بن هشام فقال له: إلى أين أتخذلنا في هذه الحالة فقال إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحارث وانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغه ذلك فقال: والله ما

<<  <  ج: ص:  >  >>