للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما كانوا يدعونه كاذباً قال: ومن هو كاذب على زعمهم. وَارْتَقِبُوا وانتظروا ما أقول لكم. إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ منتظر فعيل بمعنى الراقب كالصريم، أو المراقب كالعشير أو المرتقب كالرفيع.

[سورة هود (١١) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]

وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)

وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا إنما ذكره بالواو كما في قصة عاد إذ لم يسبقه ذكر وعد يجري مجرى السبب له بخلاف قصتي صالح ولوط فإنه ذكر بعد الوعد وذلك قوله: وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ وقوله: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ فلذلك جاء بفاء السببية. وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ قيل صاح بهم جبريل عليه السلام فهلكوا. فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ ميتين، وأصل الجثوم اللزوم في المكان.

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كأن لم يقيموا فيها. أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضاً بالصيحة، غير أن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم. وقرئ «بَعُدَتْ» بالضم على الأصل فإن الكسر تغيير لتخصيص معنى البعد بما يكون بسبب الهلاك، والبعد مصدر لهما والبعد مصدر المكسور.

[سورة هود (١١) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا بالتوراة أو المعجزات. وَسُلْطانٍ مُبِينٍ وهو المعجزات القاهرة أو العصا، وإفرادها بالذكر لأنها أبهرها، ويجوز أن يراد بهما واحد أي: ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطاناً له على نبوته واضحاً في نفسه أو موضحاً إياها، فإن أبان جاء لازماً ومتعدياً، والفرق بينهما أن الآية تعم الأمارة، والدليل القاطع والسلطان يخص بالقاطع والمبين يخص بما فيه جلاء.

إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ فاتبعوا أمره بالكفر بموسى أو فما تبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات القاهرة الباهرة، واتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم. وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ مرشد أو ذي رشد، وإنما هو غي محض وضلال صريح.

[سورة هود (١١) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩)

يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال يقال قدم بمعنى تقدم.

فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه ونزل النار لهم منزلة الماء فسمى إتيانها مورداً ثم قال:

وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ أي بئس المورد الذي وردوه فإنه يراد لتبريد الأكباد وتسكين العطش والنار بالضد، والآية كالدليل على قوله: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ فإن من كان هذه عاقبته لم يكن في أمره رشد، أو تفسير له على أن المراد بالرشيد ما يكون مأمون العاقبة حميدها.

وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدنيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي يلعنون في الدنيا والآخرة. بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ بئس العون المعان أو العطاء المعطى، وأصل الرفد ما يضاف إلى غيره ليعمده، والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم وهو اللعنة في الدارين.

<<  <  ج: ص:  >  >>