للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنها حركة أصلها أو لأنه كان يا أبتا فحذف الألف وبقي الفتحة، وإنما جاز يا أبتا ولم يجز يا أبتي لأنه جمع بين العوض والمعوض. وقرئ بالضم إجراء لها مجرى الأسماء المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويض، وإنما لم تسكن كأصلها لأنها حرف صحيح منزل منزلة الاسم فيجب تحريكها ككاف الخطاب. إِنِّي رَأَيْتُ من الرؤيا لا من الرؤية لقوله: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ ولقوله: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ.

روي عن جابر رضي الله تعالى عنه (أن يهودياً جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسف، فسكت فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بذلك فقال إذا أخبرتك هل تسلم قال نعم، قال جريان والطارق والذيال وقابس وعمودان والفليق والمصبح والضروح والفرغ ووثاب وذو الكتفين رآها يوسف والشمس والقمر نزلن من السماء وسجدن له فقال اليهودي إي والله إنها لأسماؤها)

رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ استئناف لبيان حالهم التي رآهم عليها فلا تكرير وإنما أجريت مجرى العقلاء لوصفها بصفاتهم.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥]]

قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)

قالَ يَا بُنَيَّ تصغير ابن، صغرهَ للشفقة أو لصغر السن، لأنه كان ابن اثنتي عشرة سنة. وقرأ حفص هنا وفي «الصافات» بفتح الياء. لاَ تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً فيحتالوا لإِهلاكك حيلة، فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه أن الله يصطفيه لرسالته ويفوقه على إخوته، فخاف عليه حسدهم وبغيهم والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم، فرق بينهما بحرفي التأنيث كالقربة والقربى وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ، فتتصور بما فيها مما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم إن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه، وإنما عدى كاد باللام وهو متعد بنفسه لتضمنه معنى فعل يعدى به تأكيداً ولذلك أكد بالمصدر وعلله بقوله: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة لما فعل بآدم عليه السلام وحواء فلا يألوا جهداً في تسويلهم وإثارة الحسد فيهم حتى يحملهم على الكيد.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٦]]

وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦)

وَكَذلِكَ أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالة على شرف وعز وكمال نفس. يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ للنبوة والملك أو لأمور عظام، والاجتباء من جبيت الشيء إذا حصلته لنفسك. وَيُعَلِّمُكَ كلام مبتدأ خارج عن التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك. مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ من تعبير الرؤيا لأنها أحاديث الملك إن كانت صادقة، وأحاديث النفس أو الشيطان إن كانت كاذبة. أو من تأويل غوامض كتب الله تعالى وسنن الأنبياء وكلمات الحكماء، وهو اسم جمع للحديث كأباطيل اسم جمع للباطل. وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بالنبوة أو بأن يصل نعمة الدنيا بنعمة الآخرة. وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ يريد به سائر بنيه، ولعله استدل على نبوتهم بضوء الكواكب أو نسله. كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ بالرسالة وقيل على إبراهيم بالخلة والإِنجاء من النار وعلى إسحاق بانقاذه من الذبح وفدائه بذبح عظيم. مِنْ قَبْلُ أي من قبلك أو من قبل هذا الوقت. إِبْراهِيمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>