للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ باغتيابهن، وإنما سماه مكراً لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتهن سرها فأفشينه عليها. أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات. وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً ما يتكئن عليه من الوسائد. وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً حتى يتكئن والسكاكين بأيديهن فإذا خرج عليهن يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر. وقيل متكأ طعاماً أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفاً ولذلك نهى عنه. قال جميل:

فَظَللنا بِنِعْمَةٍ وَاتَكَأْنَا ... وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُللِهْ

وقيل المتكأ طعام يحز حزاً كأن القاطع يتكئ عليه بالسكين. وقرئ «متكأ» بحذف الهمزة و «متكاء» بإشباع الفتحة كمنتزاح و «متكا» وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و «متكأ» من تكئ يتكأ إذا اتكأ. وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ عظمنه وهبن حسنه الفائق.

وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر»

وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران. وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض، والهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي:

خَفِ اللهَ وَاسْتُرْ ذَا الجَمَالَ بِبرقع ... فَإِنَ لحتَ حَاضَتْ فِي الخُدُورِ العَواتِقُ

وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة. وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيهاً له من صفات العجز وتعجباً من قدرته على خلق مثله، وأصله «حاشا» كما قرأ أبو عمرو في الدرج فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفاً وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء، فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقيا لك.

وقرئ «حاش الله» بغير لام بمعنى براءة الله، و «حاشا لله» بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر. وقيل «حاشا» فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية الله مما يتوهم فيه. مَا هذا بَشَراً لأن هذا الجمال غير معهود للبشر، وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال.

وقرئ «بَشَرٌ» بالرفع على لغة تميم و «بشرى» أي بعبد مشترى لئيم. إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة، أو لأن جماله فوق جمال البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٢]]

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره، ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا هو الذي لمتنني فيه فوضع ذلك موضع هذا رفعاً لمنزلة المشار إليه. وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ فامتنع طلباً للعصمة، أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانة عريكته. وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ أي ما آمر به، فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف. لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ من الإذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغراً وصغاراً والصغير من صغر بالضم صغرا. وقرئ «لَّيَكُونُنَّ» وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف «كنسفعا» على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]

قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>