للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ مَا خَطْبُكُنَّ قال الملك لهن ما شأنكن والخطب أمر يحق أن يخاطب فيه صاحبه. إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ تنزيه له وتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله. مَا عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ من ذنب. قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى مباركهُ ليناخ قال:

فَحَصْحَصَ فِي صُمَ الصفَا ثَفَنَاتِه ... وَنَاءَ بِسَلْمَى نَوأَة ثُمَّ صَمَّمَا

أو ظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهرت بشرة رأسه. وقرئ على البناء للمفعول. أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ في قولهِ: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ذلِكَ لِيَعْلَمَ قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن أي ذلك التثبت ليعلم العزيز. أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ بظهر الغيب وهو حال من الفاعل أو المفعول أي لم أخنه وأنا غائب عنه، أو وهو غائب عني أو ظرف أي بمكان الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة. وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ لا ينفذه ولا يسدده، أو لا يهدي الخائنين بكيدهم فأوقع الفعل على الكيد مبالغة. وفيه تعريض براعيل في خيانتها زوجها وتوكيد لأمانته ولذلك عقبه بقوله:

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٣]]

وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣)

وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي أي لا أنزهها تنبيهاً على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله، بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق. وعن ابن عباس أنه لما قال: لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ قال له جبريل ولا حين هممت فقال ذلك. إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ من حيث إنها بالطبع مائلة إلى الشهوات فتهم بها، وتستعمل القوى والجوارح في أثرها كل الأوقات. إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إلا وقت رحمة ربي، أو إلا ما رحمه الله من النفوس فعصمه من ذلك. وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإِساءة. وقيل الآية حكاية قول راعيل والمستثنى نفس يوسف وأضرابه. وعن ابن كثير ونافع بِالسُّوءِ على قلب الهمزة واواً ثم الادغام. إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر هَمَّ النفس ويرحم من يشاء بالعصمة أو يغفر للمستغفر لذنبه المعترف على نفسه ويرحمه ما استغفره واسترحمه مما ارتكبه.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٥٤]]

وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤)

وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي أجعله خالصاً لنفسي. فَلَمَّا كَلَّمَهُ أي فلما أتوا به فكلمه وشاهد منه الرشد والدهاء. قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ ذو مكانة ومنزلة. أَمِينٌ

مؤتمن على كل شيء.

روي أنه لما خرج من السجن اغتسل وتنظف ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرية فقال الملك: ما هذا اللسان قال:

لسان آبائي، وكان الملك يعرف سبعين لساناً فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال: أحب أن أسمع رؤياي منك، فحكاها ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها على ما رآها فأجلسه على السرير وفوض إليه أمره.

وقيل توفي قطفير في تلك الليالي فنصبه منصبه وزوج منه راعيل فوجدها عذراء وولد له منها أفرائيم وميشا.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]

قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>