للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخويه والحادث رزؤهما لأن رزأه كان قاعدة المصيبات وكان غضاً آخذاً بمجامع قلبه، ولأنه كان واثقاً بحياتهما دون حياته،

وفي الحديث: «لم تعط أمة من الأمم إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند المصيبة إلا أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم» .

ألا ترى إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وقال يَا أَسَفى.

وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ لكثرة بكائه من الحزن كأن العبرة محقت سوادهما. وقيل ضعف بصره. وقيل عمي، وقرئ «مِنَ الحزن» وفيه دليل على جواز التأسف والبكاء عند التفجع، ولعل أمثال ذلك لا تدخل تحت التكليف فإنه قل من يملك نفسه عند الشدائد،

ولقد بكى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ولده إبراهيم وقال:

«القلب يجزع والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنما عليك يا إبراهيم لمحزونون» .

فَهُوَ كَظِيمٌ مملوء من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه لا يظهره، فعيل بمعنى مفعول كقوله تعالى: وَهُوَ مَكْظُومٌ من كظم السقاء إذا شده على ملئه، أو بمعنى فاعل كقوله: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ من كظم الغيظ إذا اجترعه، وأصله كظم البعير جرته إذا ردها في جوفه.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٥]]

قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)

قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفتأ ولا تزال تذكره تفجعاً عليه، فحذف لا كما في قوله:

فَقُلْتُ يَمينَ الله أَبْرَح قَاعِداً لأنه لا يلتبس بالإثبات، فإن القسم إذا لم يكن معه علامات الإثبات كان على النفي. حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً مريضاً مشفياً على الهلاك. وقيل الحرض الذي أذا به هم أو مرض، وهو في الأصل مصدر ولذلك لا يؤنث ولا يجمع والنعت بالكسر كدنف ودنف. وقد قرئ به وبضمتين كجنب. أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ من الميتين.

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]

قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧)

لَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي

همي الذي لا أقدر الصبر عليه من البث بمعنى النشر. لَى اللَّهِ

لا إلى أحد منكم ومن غيركم، فخلوني وشكايتي. أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ

من صنعه ورحمته فإنه لا يخيب داعيه ولا يدع الملتجئ إليه، أو من الله بنوع من الإلهام. الا تَعْلَمُونَ

من حياة يوسف. قيل رأى ملك الموت في المنام فسأله عنه فقال هو حي. وقيل علم من رؤيا يوسف أنه لا يموت حتى يخر له إخوته سجداً.

يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ فتعرفوا منهما وتفحصوا عن حالهما والتحسس تطلب الإحساس: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ولا تقنطوا من فرجه وتنفيسه. وقرئ «مِن رَّوْحِ الله» أي من رحمته التي يحيي بها العباد. إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ بالله وصفاته فإن العارف المؤمن لا يقنط من رحمته في شيء من الأحوال.

[[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٨]]

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ بعد ما رجعوا إلى مصر رجعة ثانية. مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ شدة الجوع. وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ رديئة أو قليلة ترد وتدفع رغبة عنها، من أزجيته إذا دفعته ومنه تزجية الزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>