للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ رقيب عليها بِما كَسَبَتْ من خير أو شر لاَ يخفي عَلَيْهِ شَيْء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم، والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك. وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ استئناف أو عطف على كَسَبَتْ إن جعلت «ما» مصدرية، أو لم يوحدوه وجعلوا عطف عليه ويكون الظاهر فيه موضع الضمير لتنبيه على أنه المستحق للعبادة وقوله: قُلْ سَمُّوهُمْ تنبيه على أن هؤلاء الشركاء لا يستحقونها، والمعنى صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة. أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بل أتنبئونه. وقرئ «تنبئونه» بالتخفيف. بِما لاَ يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم، أو بصفات لهم يستحقونها لأجلها لا يعلمها وهو العالم بكل شيء. أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أم تسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار معنى كتسمية الزنجي كافوراً وهذا احتجاج بليغ على أسلوب عجيب ينادي على نفسه بالإِعجاز. بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ تمويههم فتخيلوا أباطيل ثم خالوها حقاً، أو كيدهم للإسلام بشركهم. وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ سبيل الحق، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وَصُدُّوا بالفتح أي وصدوا الناس عن الإيمان، وقرئ بالكسر «وَصَدُ» بالتنوين. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ يخذله.

فَما لَهُ مِنْ هادٍ يوفقه للهدى.

لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا

بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب. وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ

لشدته ودوامه. وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ

مِن عذابه أو من رحمته. مِنْ واقٍ

حافظ.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٥]]

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥)

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ صفتها التي هي مثل في الغرابة، وهو مبتدأ خبره محذوف عند سيبويه أي فيما قصصنا عليكم مثل الجنة وقيل خبره. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على طريقة قولك صفة زيد أسمر، أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجرى من تحتها الأنهار، أو على زيادة المثل وهو على قول سيبويه حال من العائد أو المحذوف أو من الصلة. أُكُلُها دائِمٌ لا ينقطع ثمرها. وَظِلُّها أي وظلها وكذلك لا ينسخ في الدنيا بالشمس تِلْكَ أي الجنة الموصوفة. عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا مآلهم ومنتهى أمرهم.

وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ لا غير، وفي ترتيب النظمين إطماع للمتقين وإقناط للكافرين.

[[سورة الرعد (١٣) : آية ٣٦]]

وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦)

وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني المسلمين من أهل الكتاب كابن سلام وأصحابه ومن آمن من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة، أو عامتهم فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم. وَمِنَ الْأَحْزابِ يعني كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعداوة ككعب بن الأشرف وأصحابه والسيد والعاقب وأشياعهما. مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ وهو ما يخالف شرائعهم أو ما يوافق ما حرفوه منها. قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ جواب للمنكرين أي قل لهم إني أمرت فيما أنزل إلي بأن أعبد الله وأوحده، وهو العمدة في الدين ولا سبيل لكم إلى إنكاره، وأما ما تنكرونه لما يخالف شرائعكم فليس ببدع مخالفة الشرائع والكتب الإِلهية في جزئيات الأحكام. وقرئ «وَلاَ أُشْرِكُ» بالرفع على الاستئناف. إِلَيْهِ أَدْعُوا لا إلى غيره. وَإِلَيْهِ مَآبِ وإليه مرجعي للجزاء لا إلى غيره، وهذا هو القدر المتفق عليه بين الأنبياء، وأما ما عدا ذلك من التفاريع فمما يختلف بالأعصار والأمم فلا معنى لإنكاركم المخالفة فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>