للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفس. وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي أسبابه من الشدائد فتحيط به من جميع الجهات. وقيل من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجله. وَما هُوَ بِمَيِّتٍ فيستريح. وَمِنْ وَرائِهِ ومن بين يديه.

عَذابٌ غَلِيظٌ أي يستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو عليه. وقيل هو الخلود في النار. وقيل حبس الأنفاس. وقيل الآية منقطعة عن قصة الرسل نازلة في أهل مكة طلبوا الفتح الذي هو المطر في سنيهم التي أرسل الله تعالى عليهم بدعوة رسوله، فخيب رجاءهم فلم يسقهم ووعد لهم أن يسقيهم في جهنم بدل سقياهم صديد أهل النار.

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ١٨]]

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)

مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ مبتدأ خبره محذوف أي فيما يتلى عليكم صفتهم التي هي مثل في الغرابة، أو قوله أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ وهو على الأول جملة مستأنفة لبيان مثلهم. وقيل أَعْمالُهُمْ بدل من ال مَثَلُ والخبر كَرَمادٍ. اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ حملته وأسرعت الذهاب به وقرأ نافع «الرياح» . فِي يَوْمٍ عاصِفٍ العصف اشتداد الريح وصف به زمانه للمبالغة كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، شبه صنائعهم من الصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف وعتق الرقاب ونحو ذلك من مكارمهم في حبوطها وذهابها هباء منثوراً، لبنائها على غير أساس من معرفة الله تعالى والتوجه بها إليه، أو أعمالهم للأصنام برماد طيرته الريح العاصف. لاَّ يَقْدِرُونَ يوم القيامة. مِمَّا كَسَبُوا من أعمالهم. عَلى شَيْءٍ لحبوطه فلا يرون له أثراً من الثواب وهو فذلكة التمثيل. ذلِكَ إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون. هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ فإنه الغاية في البعد عن طريق الحق.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٩ الى ٢٠]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)

أَلَمْ تَرَ خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به أمته. وقيل لكل واحد من الكفرة على التلوين. أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ بالحكمة والوجه الذي يحق أن تخلق عليه، وقرأ حمزة والكسائي «خالق السموات» . إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ يعدمكم ويخلق خلقاً آخر مكانكم، رتب ذلك على كونه خالقاً للسموات والأرض استدلالاً به عليه، فإن من خلق أصولهم وما يتوقف عليه تخليقهم ثم كونهم بتبديل الصور وتغيير الطبائع قدر أن يبدلهم بخلق آخر ولم يمتنع عليه ذلك كما قال:

وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر أو متعسر فإنه قادر لذاته لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، ومن كان هذا شأنه كان حقيقاً بأن يؤمن به ويعبد رجاء لثوابه وخوفاً من عقابه يوم الجزاء.

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٢١]]

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)

وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً أي يبرزون من قبورهم يوم القيامة لأمر الله تعالى ومحاسبته، أو لِلَّهِ على ظنهم فإنهم كانوا يخفون ارتكاب الفواحش ويظنون أنها تخفى على الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله تعالى عند أنفسهم، وإنما ذكر بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. فَقالَ الضُّعَفاءُ الأتباع جمع ضعيف يريد به ضعاف

<<  <  ج: ص:  >  >>