للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصصها بحكمته. تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ منهما أو مما يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما ومما لا يقدر على خلقهما. وفيه دليل على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام.

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل. فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ منطيق مجادل. مُبِينٌ للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.

روي أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعظم رميم وقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمّ. فنزلت.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٥ الى ٦]

وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦)

وَالْأَنْعامَ الإِبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره. خَلَقَها لَكُمْ أو بالعطف على الإِنسان، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له. فِيها دِفْءٌ ما يدفأ به فيقي البرد. وَمَنافِعُ نسلها ودرها وظهورها، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها. وَمِنْها تَأْكُلُونَ أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، أو لأن الكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه.

وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ زينة. حِينَ تُرِيحُونَ تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي. وَحِينَ تَسْرَحُونَ تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها، وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها. وقرئ «حيناً» على أن تُرِيحُونَ وتَسْرَحُونَ وصفان له بمعنى تُرِيحُونَ فيه وتَسْرَحُونَ فيه.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٧]]

وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧)

وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ أحمالكم. إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلاً أن تحملوها على ظهوركم إليه. إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إلا بكلفة ومشقة. وقرئ بالفتح وهو لغة فيه. وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب. إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٨]]

وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨)

وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ عطف على الْأَنْعامَ. لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة.

وقيل هي معطوفة على محل لِتَرْكَبُوها وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله، ولأن المقصود مِنْ خَلْقِهَا الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض. وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة لِتَرْكَبُوها أو مصدراً في موضع الحال من أحد الضميرين أي: متزينين أو متزيناً بها، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالباً أن لا يقصد منه غيره أصلاً، ويدل عليه أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر. وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالباً احتياجاً ضرورياً أو غير ضروري أجمل غيرها، ويجوز أن يكون إخباراً بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>