للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوضاعها، فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضاً ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة، فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعاً للدور والتسلسل، أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع. وقرأ حفص والنجوم مسخرات على الابتداء والخبر فيكون تعميماً للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر الشمس والقمر أيضاً. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ جمع الآية، وذكر العقل لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات.

وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ عطف على اللَّيْلَ، أي وسخر لكم ما خلق لكم فيها من حيوان ونبات.

مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أصنافه فإنها تتخالف باللون غالباً. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ إن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانع حكيم.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١٤]]

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ جعله بحيث تتمكنون من الانتفاع به بالركوب والاصطياد والغوص. لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا هو السمك، ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يسرع إليه الفساد فيسارع إلى أكله، ولإِظهار قدرته في خلقه عذباً طرياً في ماء زعاق، وتمسك به مالك والثوري على أن من حلف أن لا يأكل لحماً حنث بأكل السمك. وأجيب عنه بأن مبنى الإِيمان على العرف وهو لا يفهم منه عند الإِطلاق ألا ترى أن الله تعالى سمى الكافر دابة ولا يحنث الخالق على أن لا يركب دابة بركوبه. وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها كاللؤلؤ والمرجان أي تلبسها نساؤكم، فأسند إليهم لأنهن من جملتهم ولأنهن يتزين بها لأجلهم. وَتَرَى الْفُلْكَ السفن. مَواخِرَ فِيهِ جواري فيه تشقه بحيزومها، من المخر وهو شق الماء. وقيل صوت جري الفلك.

وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ من سعة رزقه بركوبها للتجارة. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي تعرفون نعم الله تعالى فتقومون بحقها، ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل المهالك سبباً للانتفاع وتحصيل المعاش.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١٥]]

وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥)

وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالاً رواسي. أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ كراهة أن تميل بكم وتضطرب، وذلك لأن الأرض قبل أن تخلق فيها الجبال كانت كرة خفيفة بسيطة الطبع، وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك، أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك فلما خلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها وتوجهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة. وقيل لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال. وَأَنْهاراً وجعل فيها أنهاراً لأن ألقى فيه معناه. وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ لمقاصدكم، أو إلى معرفة الله سبحانه وتعالى.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١٦]]

وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)

وَعَلاماتٍ معالم يستدل بها السابلة من جبل وسهل وريح ونحو ذلك. وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ بالليل في البراري والبحار، والمراد بالنجم الجنس ويدل عليه قراءة وَبِالنَّجْمِ بضمتين وضمة وسكون على الجمع. وقيل الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي، ولعل الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة مشهورين بالاهتداء في مسايرهم بالنجوم، وإخراج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم النجم وإقحام الضمير

<<  <  ج: ص:  >  >>