للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ أي أرسلناهم بالبينات والزبر أي المعجزات والكتب، كأنه جواب: قائل قال: بم أرسلوا؟ ويجوز أن يتعلق بما أرسلنا داخلاً في الاستثناء مع رجالاً أي: وما أرسلنا إلا رجالاً بالبينات كقولك:

ما ضربت إلا زيداً بالسوط، أو صفة لهم أي رجالاً ملتبسين بالبينات، أو بيوحي على المفعولية أو الحال من القائم مقام فاعله على أن قوله فاسألوا اعتراض، أو بلا تعلمون على أن الشرط للتبكيت والإِلزام. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي القرآن وإنما سمي ذكراً لأنه موعظة وتنبيه. لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ في الذكر بتوسط إنزاله إليك مما أمروا به ونهوا عنه، أو مما تشابه عليهم والتبيين أعم من أن ينص بالمقصود، أو يرشد إلى ما يدل عليه كالقياس. ودليل العقل. وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وإرادة أن يتأملوا فيه فيتنبهوا للحقائق.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦)

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي المكرات السيئات وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء، أو الذين مكروا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وراموا صد أصحابه عن الإِيمان. أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسف بقارون أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط.

أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ أي متقلبين في مسايرهم ومتاجرهم. فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٤٧]]

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧)

أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ على مخافة بأن يهلك قوماً قبلهم فيتخوفوا فيأتيهم العذاب وهم متخوفون، أو على أن ينقصهم شيئاً بعد شيء في أنفسهم وأحوالهم حتى يهلكوا من تخوفته إذا تنقصته. روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قال على المنبر: ما تقولون فيها فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا التخوف التنقص، فقال هل تعرف العرب ذلك في أشعارها قال نعم، قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته:

تَخَوَّفَ الرَحْلُ مِنْهَا تامكا قَرَداً ... كَمَا تَخَوِّفَ عُود النَبْعَةِ السُّفُنُ

فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا: وما ديواننا قال: شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم. فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ حيث لا يعاجلكم بالعقوبة.

[[سورة النحل (١٦) : آية ٤٨]]

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨)

أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ استفهام إنكار أي قد رأوا أمثال هذه الصنائع فما بالهم لم يتفكروا فيها ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه، وما موصولة مبهمة بيانها. يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ أي أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة. وقرأ حمزة والكسائي «تَروْا» بالتاء وأبو عمرو «تتفيؤ» بالتاء.

عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ عن أيمانها وعن شمائلها أي عن جانبي كل واحد منها، استعارة من يمين الإِنسان وشماله، ولعل توحيد اليمين وجمع الشمائل باعتبار اللفظ والمعنى كتوحيد الضمير في ظلاله وجمعه في قوله: سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ وهما حالان من الضمير في ظلاله، والمراد من السجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار، يقال سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل وسجد البعير إذا طأطأ رأسه ليركب أو سجدا حال من الظلال وَهُمْ داخِرُونَ حال من الضمير. والمعنى يرجع الظلال بارتفاع الشمس وانحدارها، أو باختلاف مشارقها ومغاربها بتقدير الله تعالى من جانب إلى جانب منقادة لما قدر لها من التفيؤ، أو واقعة على الأرض ملتصقة بها على هيئة الساجد والأجرام في أنفسها أيضاً داخرة أي صاغرة منقادة لأفعال الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>