للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعثناه إليهم، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده، فإن الفسق هو الخروج عن الطاعة والتمرد في العصيان، فيدل على الطاعة من طريق المقابلة، وقيل أمرناهم بالفسق لقوله: فَفَسَقُوا فِيها

كقولك أمرته فقرأ، فإنه لا يفهم منه إلا الأمر بالقراءة على أن الأمر مجاز من الحمل عليه، أو التسبب له بأن صب عليهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق، ويحتمل أن لا يكون له مفعول منوي كقولهم: أمرته فعصاني. وقيل معناه كثرنا يقال: أمرت الشيء وآمرته فأمر إذا كثرته،

وفي الحديث «خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة»

، أي كثيرة النتاج. وهو أيضاً مجاز من معنى الطلب، ويؤيده قراءة يعقوب «آمرنا» ورواية أَمَرْنا

عن أبي عمرو، ويحتمل أن يكون منقولاً من أمر بالضم أمارة أي جعلناهم أمراء، وتخصيص المترفين لأن غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور. فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ

يعني كلمة العذاب السابقة بحلوله، أو بظهور معاصيهم أو بانهماكهم في المعاصي. فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٧ الى ١٨]

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨)

وَكَمْ أَهْلَكْنا وكثيراً أهلكنا. مِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتمييز له. مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كعاد وثمود.

وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يدرك بواطنها وظواهرها فيعاقب عليها، وتقديم الخبير لتقدم متعلقه.

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ مقصوراً عليها همه. عَجَّلْنا لَهُ فِيها مَا نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ قيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإِرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واجد جميع ما يهواه وليعلم أن الأمر بالمشيئة والهم فضل. ولِمَنْ نُرِيدُ بدل من له بدل البعض. وقرئ «ما يشاء» والضمير فيه لله تعالى حتى يطابق المشهورة. وقيل لِمَنْ فيكون مخصوصاً بمن أراد الله تعالى به ذلك. وقيل الآية في المنافقين كانوا يراءون المسلمين ويغزون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها. ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً مطروداً من رحمة الله تعالى.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٩ الى ٢٠]

وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠)

وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها حقها من السعي وهو الإِتيان بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه لا التقرب بما يخترعون بآرائهم. وفائدة اللام اعتبار النية والإِخلاص. وَهُوَ مُؤْمِنٌ إيماناً صحيحاً لا شرك معه ولا تكذيب فإنه العمدة. فَأُولئِكَ الجامعون للشروط الثلاثة. كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً من الله تعالى أي مقبولاً عنده مثابا عليه، فطن شكر الله الثواب على الطاعة.

كُلًّا كل واحد من الفريقين، والتنوين بدل من المضاف إليه. نُمِدُّ بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدداً لسالفه. هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كُلًّا. مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ من معطاه متعلق ب نُمِدُّ. وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ممنوعاً لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلاً.

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)

انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ في الرزق، وانتصاب كَيْفَ ب فَضَّلْنا على الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>