للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحساب. فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ خائفين. مِمَّا فِيهِ من الذنوب. وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ينادون هلكتهم التي هلكوها من بين الهلكات. مالِ هذَا الْكِتابِ تعجباً من شأنه. لاَ يُغادِرُ صَغِيرَةً هنة صغيرة. وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها إلا عددها وأحاط بها. وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حاضِراً مكتوباً في الصحف. وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً فيكتب عليه ما لم يفعل أو يزيد في عقابه الملائم لعمله.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٠]]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠)

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كرره في مواضع لكونه مقدمة للأمور المقصود بيانها في تلك المحال، وها هنا لما شنع على المفتخرين واستقبح صنيعهم قرر ذلك بأنه من سنن إبليس، أو لما بين حال المغرور بالدنيا والمعرض عنها وكان سبب الاغترار بها حب الشهوات وتسويل الشيطان. زهدهم أولاً في زخارف الدنيا بأنها عرضة الزوال والأعمال الصالحة خير وأبقى من أنفسها وأعلاها، ثم نفرهم عن الشيطان بتذكير ما بينهم من العداوة القديمة وهكذا مذهب كل تكرير في القرآن. كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار قد أو استئناف للتعليل كأنه قيل: ما له لم يسجد فقيل كَانَ مِنَ الجن. فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فخرج عن أمره بترك السجود والفاء للسبب، وفيه دليل على أن الملك لا يعصى أَلبتة وإنما عصى إبليس لأنه كان جنياً في أصله والكلام المستقصى فيه في سورة «البقرة» . أَفَتَتَّخِذُونَهُ أعقيب ما وجد منه تتخذونه والهمزة للإِنكار والتعجب. وَذُرِّيَّتَهُ أولاده أو أتباعه، وسماهم ذرية مجازاً. أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي. وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا من الله تعالى، إبليس وذريته.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٥١]]

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)

ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ. نفي إحضار إبليس وذريته خلق السموات والأرض وإحضار بعضهم خلق بعض ليدل على نفي الاعتضاد بهم في ذلك كما صرح به بقوله: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً أي أعواناً رداً لاتخاذهم أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله شركاء له في العبادة، فإن استحقاق العبادة من توابع الخالقية والاشتراك فيه يستلزم الاشتراك فيها، فوضع الْمُضِلِّينَ موضع الضمير ذماً لهم واستبعاداً للاعتضاد بهم. وقيل الضمير للمشركين والمعنى: ما أشهدتهم خلق ذلك وما خصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون، فلا تلتفت إلى قولهم طمعاً في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني. ويعضده قراءة من قرأ وَما كُنْتُ على خطاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقرئ «مُتَّخِذاً المضلين» على الأصل و «عَضُداً» بالتخفيف و «عَضُداً» بالاتباع و «عَضُداً» كخدم جمع عاضد من عضده إذا قواه.

[[سورة الكهف (١٨) : آية ٥٢]]

وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢)

وَيَوْمَ يَقُولُ أي الله تعالى للكافرين وقرأ حمزة بالنون. نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنهم شركائي وشفعاؤكم ليمنعوكم من عذابي، وإضافة الشركاء على زعمهم للتوبيخ والمراد ما عبد من دونه، وقيل إبليس وذريته. فَدَعَوْهُمْ فنادوهم للإِغاثة. فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فلم يغيثوهم. وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ بين الكفار وآلهتهم. مَوْبِقاً مهلكاً يشتركون فيه وهو النار، أو عداوة هي في شدتها هلاك كقول عمر رضي الله عنه:

لا يكن حبك كلفاً ولا بغضك تلفا. وموبقا اسم مكان أو مصدر من وبق يوبق وبقا إذا هلك. وقيل البين الوصل أي وجعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكاً يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>