للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوحش وطعامهم ما لفظه البحر، وكانوا كفاراً فخيره الله بين أن يعذبهم أو يدعوهم إلى الإِيمان كما حكى بقوله قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ أي بالقتل على كفرهم. وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً بالإِرشاد وتعليم الشرائع. وقيل خيره الله بين القتل والأسر وسماه إحساناً في مقابلة القتل ويؤيده الأول قوله:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]

قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)

قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً أي فاختار الدعوة وقال: أما من دعوته فظلم نفسه بالإِصرار على كفره أو استمر على ظلمه الذي هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل، ثم يعذبه الله في الآخرة عذاباً منكراً لم يعهد مثله.

وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وهو ما يقتضيه الإِيمان. فَلَهُ في الدارين. جَزاءً الْحُسْنى فعلته الحسنى. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص جَزاءً منوناً منصوباً على الحال أي فله المثوبة الحسنى مجزياً بها، أو على المصدر لفعله المقدر حالاً أي يجزي بها جزاء أو التمييز، وقرئ منصوباً غير منون على أن تنوينه حذف لالتقاء الساكنين ومنوناً مرفوعاً على أنه المبتدأ والْحُسْنى بدله، ويجوز أن يكون أَمَّا وأَمَّا للتقسيم دون التخيير أي ليكن شأنك معهم إما التعذيب وإما الإِحسان، فالأول لمن أصر على الكفر والثاني لمن تاب عنه، ونداء الله إياه إن كان نبياً فبوحي وإن كان غيره فبإلهام أو على لسان نبي. وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا بما نأمر به. يُسْراً سهلاً ميسراً غير شاق وتقديره ذا يسر، وقرئ بضمتين.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٨٩ الى ٩١]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١)

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً ثم أتبع طريقاً يوصله إلى المشرق.

حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ يعني الموضع الذي تطلع الشمس عليه أولاً من معمورة الأرض، وقرئ بفتح اللام على إضمار مضاف أي مكان مطلع الشمس فإنه مصدر. وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً من اللباس أو البناء، فإن أرضهم لا تمسك الأبنية أو أنهم اتخذوا الأسراب بدل الأبنية.

كَذلِكَ أي أمر ذي القرنين كما وصفناه في رفعة المكان وبسطة الملك، أو أمره فيهم كأمره في أهل المغرب من التخيير والاختيار. ويجوز أن يكون صفة مصدر محذوف لوجد أو نَجْعَلْ أو صفة قوم أي على قوم مثل ذلك القبيل الذي تغرب عليهم الشمس في الكفر والحكم. وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ من الجنود والآلات والعدد والأسباب. خُبْراً علماً تعلق بظواهره وخفاياه، والمراد أن كثرة ذلك بلغت مبلغاً لا يحيط به إلا علم اللطيف الخبير.

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لاَّ يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣)

ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً يعني طريقاً ثالثاً معترضاً بين المشرق والمغرب آخذاً من الجنوب إلى الشمال.

حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ بين الجبلين المبني بينهما سده وهماً جبلا أرمينية وأذربيجان. وقيل جبلان منيفان في أواخر الشمال في منقطع أرض الترك من ورائهما يأجوج ومأجوج. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب بَيْنَ السَّدَّيْنِ بالضم وهما لغتان. وقيل المضموم لما خلقه الله تعالى والمفتوح لما عمله الناس لأنه في الأصل مصدر سمي به حدث يحدثه الناس. وقيل بالعكس وبين ها هنا مفعول به

<<  <  ج: ص:  >  >>