للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُخْفِيها على المعنى الأخير.

فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها عن تصديق الساعة، أو عن الصلاة. مَنْ لاَّ يُؤْمِنُ بِها نهي الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها، والمراد نهيه أن ينصد عنها كقولهم: لا أرينك ها هنا، تنبيهاً على أَن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها، وأنه ينبغي أن يكون راسخاً في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه. وَاتَّبَعَ هَواهُ ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها.

فَتَرْدى فتهلك بالانصداد بصده.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٧ الى ١٨]

وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨)

وَما تِلْكَ استفهام يتضمن استيقاظاً لما يريه فيها من العجائب. بِيَمِينِكَ حال من معنى الإِشارة، وقيل صلة تِلْكَ. يَا مُوسى تكرير لزيادة الاستئناس والتنبيه.

قالَ هِيَ عَصايَ وقرئ «عصي» على لغة هذيل. أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع. وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وأخبط الورق بها على رؤوس غنمي، وقرئ «أهش» وكلاهما من هش الخبز يهش إذا انكسر لهشاشته، وقرئ بالسين من الهس وهو زجر الغنم أي أنحى عليها زاجراً لها.

وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى حاجات أخر مثل أن كان إذا سار ألقاها على عاتقه فعلق بها أدواته، وعرض الزندين على شعبتيها وألقى عليها الكساء واستظل به، وإذا قصر الرشاء وصله بها، وإذا تعرضت السباع لغنمه قاتل بها، وكأنه صلّى الله عليه وسلّم فهم أن المقصود من السؤال أن يذكر حقيقتها وما يرى من منافعها، حتى إذا رآها بعد ذلك على خلاف تلك الحقيقة ووجد منها خصائص أخرى خارقة للعادة مثل أن تشتعل شعبتاه بالليل كالشمع، وتصيران دلواً عند الاستقاء، وتطول بطول البئر وتحارب عنه إذا ظهر عدو، وينبع الماء بركزها، وينضب بنزعها وتورق وتثمر إذا اشتهى ثمرة فركزها، على أن ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة أحدثها الله فيها لأجله وليست من خواصها، فذكر حقيقتها ومنافعها مفصلاً ومجملاً على معنى أنها من جنس العصي تنفع منافع أمثالها ليطابق جوابه الغرض الذي فهمه.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٩ الى ٢١]

قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١)

قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى قيل لما ألقاها انقلبت حية صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جاناً تارة نظراً إلى المبدأ وثعباناً مرة باعتبار المنتهى، وحية أخرى باعتبار الاسم الذي يعم الحالين. وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال كَأَنَّها جَانٌّ.

قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ فإنه لما رآها حية تسرع وتبتلع الحجر والشجر خاف وهرب منها. سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى هيئتها وحالتها المتقدمة، وهي فعلة من السير تجوز بها للطريقة والهيئة وانتصابها على نزع الخافض أو على أن أعاد منقول من عاده بمعنى عاد إليه، أو على الظرف أي سنعيدها في طريقتها أو على تقدير فعلها أي سنعيد العصا بعد ذهابها تسير سيرتها الأولى فتنتفع بها ما كنت تنتفع قبل. قيل لما قال له ربه ذلك اطمأنت نفسه حتى أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها.

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>