للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل سليمان عليه الصلاة والسلام مهما سمع صوت حيوان علم بقوته القدسية التخيل الذي صوته والغرض الذي توخاه به. ومن ذلك ما حكي أنه مر ببلبل يصوت ويترقص فقال: يقول إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، وصاحت فاختة فقال: إنها تقول ليت الخلق لم يخلقوا، فلعله كان صوت البلبل عن شبع وفراغ بال وصياح الفاختة عن مقاساة شدة وتألم قلب، والضمير في عُلِّمْنا وَأُوتِينا له ولأبيه عليهما الصلاة والسلام أوله وحده على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة، والمراد مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كثرة ما أوتي كقولك:

فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء. إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ الذي لا يخفى على أحد.

وَحُشِرَ وجمع لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ يحبسون بحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]

حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)

حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ واد بالشام كثير النمل، وتعدية الفعل إليه ب عَلى إما لأن إتيانهم كان من عال أو لأن المراد قطعة من قولهم: أتى على الشيء إذا أنفده وبلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا أخريات الوادي. قالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ كأنها لما رأتهم متوجهين إلى الوادي فرت عنهم مخافة حطمهم فتبعها غيرها فصاحت صيحة نبهت بها ما بحضرتها من النمال فتبعتها، فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم ولذلك أجروا مجراهم مع أنه لا يمتنع أن خلق الله سبحانه وتعالى فيها العقل والنطق.

لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ نهي لهم عن الحطم، والمراد نهيها عن التوقف بحيث يحطمونها كقولهم: لا أرينك ها هنا، فهو استئناف أو بدل من الأمر لا جواب له فإن النون لا تدخله في السعة. وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بأنهم يحطمونكم إذ لو شعروا لم يفعلوا كأنها شعرت عصمة الأنبياء من الظلم والإِيذاء. وقيل استئناف أي فهم سليمان والقوم لا يشعرون.

فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها تعجباً من حذرها وتحذيرها واهتدائها إلى مصالحها، وسروراً بما خصه الله تعالى به من إدراك همسها وفهم غرضها ولذلك سأل توفيق شكره. وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ أي اجعلني أزع شكر نعمتك عندي، أي أكفه وأرتبطه لا ينفلت عني بحيث لا أنفك عنه، وقرأ البزي وورش بفتح ياء أَوْزِعْنِي. الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ أدرج فيه ذكر والديه تكثيراً للنعمة أو تعميماً لها، فإن النعمة عليهما نعمة عليه والنعمة عليه يرجع نفعها إليهما سيما الدينية. وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ إتماماً للشكر واستدامة للنعمة. وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ في عدادهم الجنة.

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٢٠ الى ٢١]

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١)

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ وتعرف الطير فلم يجد فيها الهدهد. فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أم منقطعة كأنه لما لم يره ظن أنه حاضر ولا يراه لساتر أو غيره فقال: ما لي لا أراه، ثم احتاط فلاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول أهو غائب كأنه يسأل عن صحة ما لاح له.

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً كنتف ريشه وإلقائه في الشمس، أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص. أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ليعتبر به أبناء جنسه. أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ بحجة تبين عذره، والحلف في الحقيقة

<<  <  ج: ص:  >  >>