للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا. أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول. وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ لا يحتاج إلى الشكر. حَمِيدٌ حقيق بالحمد وإن لم يحمد، أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ١٣]]

وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)

وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ أنعم أو أشكم أو ماثان. وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ تصغير إشفاق، وقرأ ابن كثير هنا وفي يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ بإسكان الياء، وحفص فيهما وفي يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء. لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ قيل كان كافراً فلم يزل به حتى أسلم، ومن وقف على لاَ تُشْرِكْ جعل بالله قسماً. إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ١٤]]

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً ذات وهن أو تهن وهنا عَلى وَهْنٍ أي تضعف ضعفاً فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال، وقرئ بالتحريك يقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا. وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة، وقرئ «وفصله في عامين» وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان. أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ تفسير ل وَصَّيْنَا أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال، وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصاً ومن ثم

قال عليه الصلاة والسلام لمن قال مَنْ أُبِرّ «أمك ثم أمك ثم أمك ثم قال بعد ذلك أباك» .

إِلَيَّ الْمَصِيرُ فأحاسبك على شكرك وكفرك.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ١٥]]

وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)

وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ باستحقاقه الإِشراك تقليداً لهما، وقيل أراد بنفي العلم به نفيه. فَلا تُطِعْهُما في ذلك. وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً صحاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم. وَاتَّبِعْ في الدين سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ بالتوحيد والإِخلاص في الطاعة. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ مرجعك ومرجعهما. فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

بأن أجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال: وقد وصينا بمثل ما وصى به، وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقاه في الإِشراك فما ظنك بغيرهما ونزولهما في سعد بن أبي وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثاً لم تطعم فيها شيئاً، ولذلك قيل من أناب إليه أبو بكر رضي الله عنه فإنه أسلم بدعوته.

[[سورة لقمان (٣١) : آية ١٦]]

يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦)

يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي أن الخصلة من الإِحسان أو الإِساءة إن تك مثلاً في الصغر كحبة الخردل. ورفع نافع مِثْقالَ على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإِضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر:

كما شرقت صدر القناة من الدم

<<  <  ج: ص:  >  >>