للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الماضية استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة، ولأن المراد بيان أحداثها بهذه الخاصية ولذلك أسنده إليها، ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر. فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد. فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره، أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطراً. بَعْدَ مَوْتِها بعد يبسها والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع. كَذلِكَ النُّشُورُ أي مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحة المقدورية، إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف المادة في المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها. وقيل في كيفية الإِحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش تنبت منه أجساد الخلق.

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٠]]

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ الشرف والمنعة. فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أي فليطلبها من عنده فإن له كلها، فاستغنى بالدليل عن المدلول. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما، والمستكن في يَرْفَعُهُ ل الْكَلِمُ فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب الْعَمَلُ، أو ل الْعَمَلُ فإنه يحقق الإِيمان ويقويه، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة. وقرئ «يَصْعَدُ» على البناءين والمصعد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك. وقيل الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن.

وعنه عليه الصلاة والسلام «هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل» .

وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه. لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لا يؤبه دونه بما يمكرون به. وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله:

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ١١]]

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١)

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ بخلق آدم عليه السلام منه. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ بخلق ذريته منها. ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً ذكراناً وإناثاً. وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ إلاَّ معلومة له. وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر. وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره، أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصاً، والضمير له وإن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم: لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق. وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل: أن يكون فيه إن حج عمرو فعمره ستون سنة وإلا فأربعون. وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوماً فيوماً، وعن يعقوب وَلا يُنْقَصُ على البناء للفاعل. إِلَّا فِي كِتابٍ هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة.

إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص.

[[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٢]]

وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>