للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقالُوا عطف على وَدَّ، والضمير لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى لف بين قولي الفريقين كما في قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى ثقة بفهم السامع، وهود جمع هائد كعوذ وعائذ، وتوحيد الاسم المضمر في كان، وجمع الخبر لاعتبار اللفظ والمعنى.

تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ إشارة إلى الأماني المذكورة، وهي أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأن يردوهم كفاراً، وأن لا يدخل الجنة غيرهم، أو إلى ما في الآية على حذف المضاف أي أمثال تلك الأمنية أمانيهم، والجملة اعتراض والأمنية أفعولة من التمني كالأضحوكة والأعجوبة. قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ على اختصاصكم بدخول الجنة. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم فإن كل قول لا دليل عليه غير ثابت.

بَلى إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أخلص له نفسه، أو قصده، وأصله العضو وَهُوَ مُحْسِنٌ في عمله فَلَهُ أَجْرُهُ الذي وعد له على عمله عِنْدَ رَبِّهِ ثابتاً عن ربه لا يضيع ولا ينقص، والجملة جواب من إن كانت شرطية وخبرها إن كانت موصولة. والفاء فيها لتضمنها معنى الشرط فيكون الرد بقوله: بلى وحده، ويحسن الوقف عليه. ويجوز أن يكون من أسلم فاعل فعل مقدر مثل بلى يدخلها من أسلم وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ في الآخرة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١١٣]]

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣)

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ أي على أمر يصح ويعتد به. نزلت لما قدم وفد نجران على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأتاهم أحبار اليهود فتناظروا وتقاولوا بذلك. وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ الواو للحال، والكتاب للجنس أي: قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب. كَذلِكَ مثل ذلك قالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ كعبدة الأصنام، والمعطلة. وبخهم على المكابرة والتشبه بالجهال.

فإن قيل: لم وبخهم وقد صدقوا، فإن كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء؟. قلت: لم يقصدوا ذلك، وإنما قصد به كل فريق إبطال دين الآخر من أصله، والكفر بنبيه وكتابه مع أن ما لم ينسخ منهما حق واجب القبول والعمل به فَاللَّهُ يَحْكُمُ يفصل بَيْنَهُمْ بين الفريقين يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ بما يقسم لكل فريق ما يليق به من العقاب. وقيل حكمه بينهم أن يكذبهم ويدخلهم النار.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١١٤]]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١٤)

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ عام لكل من خرب مسجداً، أو سعى في تعطيل مكان مرشح للصلاة. وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله. أو في المشركين لما منعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ثاني مفعولي منع وَسَعى فِي خَرابِها بالهدم، أو التعطيل أُولئِكَ

أي المانعون مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلاً عن أن يجترئوا على تخريبها، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم، فضلاً عن أن يمنعوهم منها، أو ما كان لَهُمْ في علم الله وقضائه، فيكون وعداً للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد أنجز وعده. وقيل: معناه النهي عن تمكينهم من الدخول في المسجد، واختلف الأئمة فيه فجوز أبو حنيفة ومنع مالك، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ قتل وسبي، أو ذلة بضرب الجزية وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ بكفرهم وظلمهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>