للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعني المرة الأولى. فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ خر ميتاً أو مغشياً عليه. إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قيل جبريل وميكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد، وقيل حملة العرش. ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى نفخة أخرى وهي تدل على أن المراد بالأُولى ونُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ كما صرح به في مواضع، وأخرى تحتمل النصب والرفع. فَإِذا هُمْ قِيامٌ قائمون من قبورهم أو متوقفون، وقرئ بالنصب على أن الخبر. يَنْظُرُونَ وهو حال من ضميره والمعنى: يقلبون أبصارهم في الجوانب كالمبهوتين أو ينتظرون ما يفعل بهم.

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠)

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها بما أقام فيها من العدل، سماه «نور» لأنه يزين البقاع ويظهر الحقوق كما سمى الظلم ظلمة.

وفي الحديث «الظلم ظلمات يوم القيامة» .

ولذلك أضاف اسمه إلى الْأَرْضُ أو بنور خلق فيها بلا واسطة أجسام مضيئة ولذلك أضافه الى نفسه. وَوُضِعَ الْكِتابُ للحساب والجزاء من وضع المحاسب كتاب المحاسبة بين يديه، أو صحائف الأعمال في أيدي العمال، واكتفى باسم الجنس عن الجمع.

وقيل اللوح المحفوظ يقابل به الصحائف وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ الذين يشهدون للأمم وعليهم من الملائكة والمؤمنين، وقيل المستشهدون. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بين العباد. بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد.

وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ جزاءه. وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ فلا يفوته شيء من أفعالهم، ثم فصل التوفية فقال:

[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٧١ الى ٧٢]

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)

وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً أفواجاً متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة، جمع زمرة واشتقاقها من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه، أو من قولهم شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل. حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها ليدخلوها وحَتَّى وهي التي تحكي بعدها الجملة، وقرأ الكوفيون فُتِحَتْ بتخفيف التاء. وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها تقريعاً وتوبيخاً. أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ من جنسكم. يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وقتكم هذا وهو وقت دخولهم النار، وفيه دليل على أنه لا تكليف قبل الشرع من حيث إنهم عللوا توبيخهم بإتيان الرسل وتبليغ الكتب. قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ كلمة الله بالعذاب علينا وهو الحكم عليهم بالشقاوة، وأنهم من أهل النار ووضع الظاهر فيه موضع الضمير للدلالة على اختصاص ذلك بالكفرة، وقيل هو قوله وقيل هو قوله لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم. فَبِئْسَ مَثْوَى مكان.

الْمُتَكَبِّرِينَ اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره، ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم، فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما

قال عليه الصلاة والسلام «إِن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل

<<  <  ج: ص:  >  >>