للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقه ويرفعها بناؤها. وقيل المراد رفع مكانته وإظهار شرفه بتعظيمه، ودعاء الناس إلى حجه. وفي إبهام القواعد وتبيينها تفخيم لشأنها. وَإِسْماعِيلُ كان يناوله الحجارة، ولكنه لما كان له مدخل في البناء عطف عليه. وقيل: كانا يبنيان في طرفين، أو على التناوب. رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا أي يقولان ربنا تقبل منا، وقد قرئ به والجملة حال منهما. إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ لدعاتنا الْعَلِيمُ بنياتنا.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]

رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)

رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد، والمراد طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان، أو الثبات عليه. وقرئ «مُسْلِمِينَ» على أن المراد أنفسهما وهاجر. أو أن التثنية من مراتب الجمع. وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ أي واجعل بعض ذريتنا، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع، وخصا بعضهم لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة، وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله تعالى، فإنه مما يشوش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا، وقيل: أراد بالأمة أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ويجوز أن تكون من للتبيين كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ قدم على المبين وفصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ. وَأَرِنا من رأى بمعنى أبصر، أو عرف، ولذلك لم يتجاوز مفعولين مَناسِكَنا متعبداتنا في الحج، أو مذابحنا. والنسك في الأصل غاية العبادة، وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة. وقرأ ابن كثير والسوسي عن أبي عمرو ويعقوب أَرِنا، قياساً على فخذ في فخذ، وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها. وقرأ الدوري عن أبي عمرو بالاختلاس وَتُبْ عَلَيْنا استتابة لذريتهما، أو عما فرط منهما سهواً. ولعلهما قالا هضما لأنفسهما وإرشادً لذريتهما إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ لمن تاب.

رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ في الأمة المسلمة رَسُولًا مِنْهُمْ ولم يبعث من ذريتهما غير محمد صلّى الله عليه وسلّم، فهو المجاب به دعوتهما كما

قال عليه الصلاة والسلام «أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي»

. يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل التوحيد والنبوة. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ القرآن.

وَالْحِكْمَةَ ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام. وَيُزَكِّيهِمْ عن الشرك والمعاصي إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد الْحَكِيمُ المحكم له.

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٣٠]]

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ استبعاد وإِنكار لأن يكون أحد يرغب عن ملته الواضحة الغراء، أي لا يرغب أحد من ملته. إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ إلا من استمهنها وأذلها واستخف بها. قال المبرد وثعلب سفه بالكسر متعد وبالضم لازم، ويشهد له ما

جاء في الحديث «الكبر أن تسفه الحق، وتغمص الناس»

. وقيل:

أصله سفه نفسه على الرفع، فنصب على التمييز نحو غبن رأيه وألم رأسه، وقول جرير:

وَنأْخُذُ بَعْدَهُ بِذنَابِ عَيْش ... أَجَب الظَّهْرِ ليسَ لَهُ سِنَامُ

أو سفه في نفسه، فنصب بنزع الخافض. والمستثنى في محل الرفع على المختار بدلاً من الضمير في

<<  <  ج: ص:  >  >>