للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن قليلا من الذين أنجيناهم مع رسلهم كانوا أولى بقية نهوا عن المنكر وأمروا بالمعروف، واتبع الذين ظلموا أنفسهم- وهم الأكثرية الكثيرة في تلك الأمم- ما أترفوا فيه، من نعمة وعافية ودولة وسلطان، فكانت الأكثرية لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، ولكنهم عقدوا عزمهم على اتباع الشهوات، وساروا وراء ما فيه التنعم والترف من حب الرياسة والثروة وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا ما وراء ذلك، ونبذوه وراءهم ظهريا، وكانوا مجرمين! وأى إجرام أكثر من هذا؟

ومن هنا يعلم أن الترف هو الذي يدعو إلى السرف المفضى إلى الفسوق والعصيان والظلم والإجرام، يظهر هذا في الكبار والموسرين ثم ينتقل إلى الفقراء المعوزين فتسوء حال الأمم وتتدهور أخلاقها وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً

[سورة الإسراء آية ١٦] .

وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، نعم ليس من شأنه سبحانه وتعالى، أن يهلك القرى ظالما لها وأهلها مصلحون. وقيل المعنى: وما كان ربك مهلكا القرى بسبب الظلم الذي هو الشرك والحال أن أهلها مصلحون في المعاملة بينهم وبين الناس بمعنى أنهم لا يطففون الكيل كما فعل قوم شعيب، ولا يأتون الرجال كما فعل قوم لوط، ولا يتبعون كل جبار عنيد كما فعل قوم فرعون، ولا يبطشون بالناس بطش الجبارين كما فعل قوم هود، بل لا بد أن يضموا إلى الشرك الإفساد في الأعمال والأحكام، وهو الظلم المقوض للأمم ولذا قيل الأمم تبقى مع الكفر. ولا تبقى مع الظلم.

وتحتمل الآية: وما كان ربك مهلكا لهم بظلم قليل يقع من الأقلية البسيطة، والأكثرون مصلحون، والآية الكريمة تحتمل كل هذا وفوق هذا، وسبحان من هذا كلامه- تبارك وتعالى-!! ولو شاء ربك أيها الحريص على إيمان قومه لجعل الناس أمة واحدة، وآمن من في الأرض كلهم جميعا.

ولو شاء ربك لخلق الناس وفي غريزتهم وفطرتهم قبول الدين بلا تفكير ولا نظر فكانوا كالنمل والنحل أو الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ولكنه شاء لهم ذلك وقدر لهم

<<  <  ج: ص:  >  >>