للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولئك المذكورون الموصوفون بتلك الصفات القبيحة في ضلال بعيد الغور سحيق القاع.

ولما من على الناس بإنزال القرآن وهدايته وأثره بين لهم أن من كمال النعمة أن كل رسول يكون بلغة قومه.

وما أرسلنا من رسول إلا كان بلسان قومه وبلغتهم ليبين لهم شرعه ويوضحه بلسانهم ولهجتهم وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُ «١» وذلك حتى لا يكون على الله حجة، وهنا يظهر سؤال: إذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل للناس جميعا قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً «٢» فإذا قطعت الحجة عند العرب فغيرهم يقولون: لم نفهم ما قال، ولم نع كتابه، وهلا نزل بالألسنة كلها حتى يتسنى خطابه للكل.

والجواب: أن نزوله بكل لغة لا حاجة له لأن الترجمة تكفى في ذلك ولو كتب بكل لغة لتعددت أساليبه وألفاظه وتعددت طبعا معانيه، وذلك يؤدى إلى الطعن فيه كما حصل للكتب السماوية الأخرى، ولأصبح لكل أمة قرآن يدعو إلى غير ما يدعو إليه الثاني ضرورة اختلاف اللغات في الصياغة والدلالة على المعنى، بقي لماذا اختار الله العربية لغة القرآن؟ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن كانت رسالته إلى الثقلين لكن لما كان العرب قومه وكانوا أخص به وأقرب، وقد تهيأت الظروف كلها لظهور دينه ورسالته في جزيرة العرب فكانت لغتهم أولى حتى لا تكون لهم حجة في تكذيبه فإنه واحد منهم ونشأ بينهم ويتكلم بلغتهم فإذا فهموا دينه وصدقوا به وأسلموا كانوا هم الدعاة والمترجمين في جميع الآفاق ولكل اللغات، وقد كان ذلك كذلك.

وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم تلك الشرائع باللغة التي ألفوها ومع ذلك فإن المضل والهادي هو الله- عز وجل-، والبيان لا يوجب الهداية إلا إذا جعله الله سببا فيها: وهو العزيز الذي لا يغلب الحكيم في كل أفعاله.


(١) سورة فصلت الآية ٤٤.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>