للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

ولقد أرينا فرعون المعجزات الدالة على صدق موسى في رسالته، وأريناه حجج الله الدالة على توحيده ونفى الشركاء له فكذب وعصى، وأبى ذلك وأعرض قائلا: أجئتنا يا موسى مدعيا الرسالة لربك لتخرجنا من أرضنا بسحرك وحيلتك، جئت يا موسى بآية توهم الناس أنك صادق لتتغلب علينا وتخرجنا من أرضنا وتزيل ملكنا، وتجعله لنفسك، وانظر إلى فرعون وهو يحرض الناس على عصيان موسى ومخالفته، ومن خلال كلامه نفهم أنه كان واثقا أن موسى على الحق، وأن النصر في النهاية له، وقوله بسحرك تعليل مزيف لتغطية الموقف.

وإذا كان الأمر للسحر فلنأتينك بسحر مثله، فاجعل بيننا وبينك موعدا تحدده زمانا ومكانا، لا نخلفه نحن ولا أنت، اجعل مكانا مستويا وسطا بيننا وبينك حتى لا يكون عذر في التخلف. قال موسى: موعدكم يوم الزينة يوم الاحتفال بوفاء النيل وكان عيدا من أعيادهم القومية، يجتمع الناس فيه من كل حدب وصوب مع السحرة المهرة في المملكة كلها ولعل اختيار هذا الموعد الذي يجتمع فيه الناس اجتماعا كاملا والوقت ضحى، وفيه اتساع للمساجلة والمناقشة والحكم ليكون علو كلمة الله وإظهار دينه على ملأ من الناس كثير، ويكون الحكم على رؤوس الأشهاد في وسط النهار فلا سبيل للإنكار، وليحدث به كل الناس صغيرهم، وكبيرهم. وقد كان ذلك.

فتولى فرعون، وانصرف من ذلك المقام ليهيّئ ما يحتاج إليه، وليشرف بنفسه على الاستعداد لذلك اليوم الخطير، فتولى فرعون فجمع كيده وحيله، وجمع المهرة من السحرة وأتوا مدلين بأنفسهم واثقين من سحرهم طالبين الأجر على ذلك أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ «١» وعدهم فرعون بالجزاء المادي والأدبى ليفرغوا طاقتهم وليعملوا جهدهم في التغلب على موسى.

فلما حضروا قال لهم موسى: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً الهلاك لكم إن اختلقتم على الله كذبا وزورا، إنكم إن فعلتم ذلك فسيسحتكم بعذاب من عنده وسيستأصلكم ويقطع دابركم، وقد خاب وهلك من افترى على الله أو على رسوله كذبا.


(١) سورة الشعراء الآيتان ٤١ و ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>