للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

وأخيرا ولدت أم موسى (قيل اسمها يوكابد وقيل غيره وهذا لا يهمنا في شيء) ولدت موسى في وقت شديد على بنى إسرائيل، كان يقتل فيه فرعون ذكورهم ويبقى نساءهم فماذا تفعل تلك الأم المسكينة؟! إن ابنها سيكون له شأن، وهو النبي الذي ينقذ بنى إسرائيل، ويرسل إليهم، وتنزل عليه التوراة، وفيها هدى ونور، فمن المعقول أن يرعاه ربه ويحفظه حتى يؤدى رسالته، وقد كان ما أراد الله، وصنعه على عينه، فلما ولدته أمه خبأته من عيون فرعون، فمكث عندها زمنا فلما خافت عليه وخافت من انكشاف سرها المكتوم فيقضى على فلذة كبدها، وموضع أملها لما حصل هذا أوحى الله إليها وألهمها- وهو القادر على كل شيء- أن تصنع له تابوتا ثم تضعه فيه، وتلقيه في البحر.

وهنا نقف لحظة أمام قوله تعالى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي «١» إذ كيف يكون الإلقاء في البحر نتيجة الخوف؟ وهل من المعقول أنى إذا خفت على ابني مكروها ألقيه من النافذة؟! ولكنها عناية الله ورعايته تحوط بأنبيائه ورسله، وهم في المهد بل وفي ظهور آبائهم

«خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح»

عناية الله ورعايته بهم هكذا تكون لهم إرهاصا بنبوتهم، ودليلا على أنهم ليسوا بشرا عاديين، فحينما تلقى أم موسى به في البحر الذي يغرق الرجال والشبان، ثم يحفظه الله لها، بل ويرده إليها كما وعدها. تعلم علما أكيدا أن وعد الله حق، وأنه القادر المقتدر لا تخفى عليه خافية، ويكون في هذا دليل على صدق موسى فيما يدعيه مستقبلا إذا خفت عليه من فرعون فألقيه في البحر، ولا تخافي عليه من الغرق فعين الله ترعاه.

وإذا العناية لاحظتك عيونها ... نم فالمخاوف كلهنّ أمان

أليس في هذا عبرة وعظة للمسلمين في مكة قبل الهجرة.

ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين.

وكان من أمرها أنها ألقته بتابوته في البحر فالتقطه آل فرعون، وهم أعداء له ولربه، ولكن الله ألقى عليه المحبة؟ فأحبته امرأة فرعون وحافظت عليه. وأبقته قرة عينها وعين


(١) سورة القصص الآية ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>