للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لضعفهن، ويتقدم للورود الرجال لقوتهم، وكيف يقبل هذا؟ وهو رجل ثار على الظلم، ولم يعجبه جبروت فرعون وطغيانه!!.

فسأل المرأتين عن شأنهما، ولماذا يحبسان ماشيتهما عن الورود؟ فقالتا لا نسقى حتى يسقى هؤلاء الرعاة ماشيتهم، فهم أولو قوة ونحن ضعيفات كما ترى، وأبونا شيخ كبير مسن، لا يقدر على مزاولة أمر الرعي والسقي فثار موسى، وتحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما.

ثم تولى إلى ظل الشجرة ليستريح من وعثاء الطريق، ومشقته، وهو رجل دائم الصلة بربه يذكره ويتضرع إليه، فلا ينساه أبدا، وبخاصة في هذا الوقت الشديد، فقال:

يا رب أعطنى من فضلك، وأسبغ على من نعمك، فإنى لما أنزلته إلى من خير فقير- والخير هو المال هنا- وهل ينساه ربه؟ كلا! فمن يتوكل على الله فهو حسبه، ونعم الوكيل.

عادت المرأتان إلى أبيهما الشيخ فسألهما عن السر في حضورهما بسرعة على خلاف شأنهما كل يوم، فأخبرتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما، وسهل لهما العودة مبكرتين، فأرسل إحداهما إليه فوافته بمكان قريب من الماء يستظل تحت شجرة، وقالت له في حياء وخفر إن أبى يدعوك ليعطيك أجر ما سقيت لنا.

رأى موسى الفرج في ذلك، وأن الله قد استجاب دعاءه بسرعة، وهل ينساه ربه! كلا! فإن ذلك لا يكون.

تبع موسى المرأة إلى منزل أبيها، وطلب منها أن تكون خلفه حتى لا يراها، وأن توجهه إلى الطريق وهي خلفه، لا غرابة في هذا، فهذا أدب النبوة العالي.

جاء موسى إلى ذلك الشيخ- وهو شعيب على القول الصحيح- فرحب به وأكرم وفادته، وأحله أهلا بمكان سهل، وقص موسى على شعيب قصته كلها من ولادته إلى ذلك الوقت. وأخبره بأخبار بنى إسرائيل في مصر فطمأنه شعيب، وقال له:

لا تخف ولا تحزن لقد نجاك الله من القوم الظالمين الطغاة المتجبرين.

مصاهرة موسى لشعيب: لما جاء موسى إليه وكلمه، وطمأنه، وأزال عنه الخوف، قالت إحدى بناته: يا أبت استأجره يرعى غنمنا فهو الرجل القوى الأمين، وهما

<<  <  ج: ص:  >  >>