للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا، وتهيجه وتحركه بعد أن كان ساكنا، فتبثّه في السماء- والمراد تنشره متصلا بعضه ببعض- على أى نحو يشاؤه من قلة وكثرة، وسرعة في المشي وإبطاء، وتارة يجعله قطعا متفرقة، فيصيب به على كل حال من يشاء من عباده، وهو على كل شيء قدير، أليس في هذا ما يدل على أن الأمور تجرى بميزان، وأن خالقها قادر واحد مختار؟

فإذا أصاب به من يشاء من عباده فاجأ استبشارهم نزوله، وفرحوا به بخصبه، وقد كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لآيسين من نزول المطر عليهم ساكنين من شدة الحزن الذي أصابهم من طول جدبهم وانتظارهم، وفي قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِ بعد قوله: وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ توكيد لحكمة غالية، ومعنى التوكيد هنا: (للدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول وبعد فاستحكم يأسهم وتمادى إبلاسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك) انتهى من الكشاف. ومن هنا كان تكريرا لحكمة سامية، وإشارة إلى معان عالية.

فانظروا نظر استبصار واستدلال لتستدلوا على أن من يقدر على ذلك قادر على إحياء الموتى.

انظروا إلى آثار رحمة الله إلى إحياء الأرض بعد موتها: بالخضرة والنبات، إن ذلك لمحيى الموتى، وهو على كل شيء قدير.

وتالله لئن أرسلنا ريحا مضرة، فأضرت زرعهم، فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ويجحدون سالف نعمة الله عليهم، فهم قوم قلوبهم خالية من الإيمان الكامل والاعتماد على الله حقا، فهم إذا أصابهم الخير فرحوا واستبشروا، وإن غاب عنهم القطر أبلسوا ويئسوا. وانقطعت أنفسهم حزنا وألما، وإن أصابهم جدب أو هلاك لزرع كفروا بنعمة الله، ونسوا ما أنعم عليهم به، فبئس هؤلاء القوم المترددون بين الإفراط في الفرح والتفريط في الحزن والكمد.

ولو أنهم مؤمنون حقا لكانوا متوكلين على الله في كل حال، إذا أعطاهم شكروا وعملوا الطيبات، وإن حبس عنهم خيره لجئوا إلى الاستغفار والدعاء والصلاة حتى ينزل عليهم الفرج، وما يئسوا من رحمة الله، وإذا أصابهم بلاء في المال أو النفس والزرع صبروا، وحمدوا ربهم على السراء والضراء، أولئك هم المؤمنون حقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>