للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفاق، لهم جزاء من جنس أعمالهم، فلا تعلم نفس عظمة ما أخفى لهم وأعد في الجنات من النعيم المقيم، والثواب الجزيل على سبيل التفصيل، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله ثوابها جزاء وفاقا، قال الحسن البصري: أخفى قوم عملهم فأخفى الله لهم ما لم تر عين ولم يخطر على قلب بشر،

وعن أبى هريرة- رضى الله عنه- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله تعالى: «أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»

قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.

أولئك الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، وهم الذين يتقبل الله عنهم أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم وعد الله الصدق الذين كانوا يوعدون، ولا غرابة فالعبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس، فأسر الله له يوم القيامة قرة أعين، ولعل التقييد بقوله: «عن المضاجع» لمزيد مدحهم وبيان قوة إيمانهم، لأن المضجع إذا كان مفروشا كان النوم فيه ألذ، والنفس إليه أميل، فإذا هجره المؤمن، والحالة هذه لأجل الصلاة، ومناجاة ربه، كان ذلك أمدح له وأدل على كمال يقينه.

أفبعد ما بيناه من التفاوت بين المؤمن الذي ذكرت أوصافه، والفاسق الكافر الذي ذكرت أحواله يكون المؤمن كالفاسق؟ لا. إنهم لا يستوون أبدا في الدنيا والآخرة. أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك لهم جنات المأوى التي فيها المساكن والدور والغرف العالية التي أعدت وهيئت لتكون نزلا، أى: للضيافة والكرم جزاء لهم بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا وخرجوا عن الطاعة فالنار هي المأوى لهم، التي يأوون لها من شدة الموقف حتى إذا ما دخلوها وجدوها نارا تلظى، فيحاولون الخروج، وأنى لهم ذلك؟ إذ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقيل لهم تأنيبا وتقريعا: ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون.

ولا غرابة في هذا فالله يقول: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ

[الجاثية ٢١] أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [سورة ص آية ٢٨] أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ وليس من العدل في شيء أن يسوى بين المؤمن العامل والكافر الفاسق!!

<<  <  ج: ص:  >  >>