للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

وتلك مواقف من مواقف المشركين في الدنيا والآخرة، ولا غرابة إذا طال نقاش القرآن لهم فيها، وعرض أمورهم عرضا واضحا مكشوفا مع الرد عليهم في كل جزئية، إذ السورة مكية والمقام يقتضى ذلك لعلهم يثوبون إلى رشدهم، ويرجعون عن غيّهم.

واذكر يوم يحشرون جميعا، ويجمعون للحساب جميعا، ويا هول ذلك الموقف الشديد موقف الزحام والحساب العسير. ثم يقول ربك للملائكة في هذا الاجتماع وعلى رءوس الأشهاد: أهؤلاء- الإشارة للكفار- إياكم كانوا يعبدون؟! أهؤلاء الكفار كانوا يخضعون لكم بالعبادة والتقديس وأنتم خلق من خلق الله؟! فتقول الملائكة:

سبحانك يا رب وتنزيها لك بعد تنزيه، أنت ولينا ومتولى أمورنا وأمور غيرنا من خلقك، يا رب أنت الذي نواليك ونتقرب منك بالعبادة ونواصلك ونرجوك، وليس بيننا وبينهم موالاة من جهتنا، وهذا معنى قوله: «من دونهم» ثم بينوا السبب الحامل لهم على عبادتهم فقالوا: بل كانوا يعبدون الجن، أى: فليس لنا دخل، وإنما السبب هو الجن حيث أطاعوهم في عبادة غير الله، وقيل: إن حيّا من خزاعة كانوا يعبدون الجن ويزعمون أنهم من الملائكة، وأنهم من بنات الله وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً.

فالاستفهام في قوله للملائكة: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ؟ للتفريغ وتوبيخ الكفار على عبادتهم غير الله، وهو جار على نظام المثل القائل: «إياك أعنى واسمعي يا جارة» وهدا يشبه قول الله للمسيح: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ؟ [سورة المائدة آية ١١٦] ، فاليوم لا يملك بعضهم لبعض نفعا كشفاعة ونجاة، ولا ضرا كعذاب أو هلاك بل الأمر يومئذ لله، وإليه وحده ترجع الأمور، ويقال حينئذ توبيخا وتأنيبا للكفار: ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون.

ذلك موقف لهم شديد من مواقف يوم القيامة، وما أطوله عليهم! وهذا موقف آخر في الدنيا سيق بيانا لسبب هذا العذاب الشديد:

هؤلاء الكفار والمشركون إذا تتلى عليهم آياتنا بينات واضحات كالشمس أو أشد قالوا: ما هذا الذي يتلو عليكم الآيات إلا رجل- كأنه غير معروف- يريد لأمر في نفسه أن يصدكم عن عبادة آبائكم وأسلافكم الآلهة التي كانوا يعبدونها، فهذا رجل

<<  <  ج: ص:  >  >>