للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المفردات:]

لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ الطمس: تغطية شق العين حتى تعود ممسوحة، والطميس والمطموس: الأعمى الذي ليس في عينه شق فَاسْتَبَقُوا: تسابقوا إلى الصراط وبادروا إليه فَأَنَّى: فكيف لَمَسَخْناهُمْ المسخ: تبدل الخلقة وقلبها حجرا أو جمادا أو بهيمة نُعَمِّرْهُ: نطل عمره نُنَكِّسْهُ من التنكيس، مأخوذ من نكست الشيء أنكسه نكسا: قلبته على رأسه فانتكس.

[المعنى:]

الله- سبحانه وتعالى- صاحب النعم والفضل الكبير على الناس جميعا مسلمهم ومشركهم، ولو شاء إزالة نعمة البصر عنهم فيصيروا عميا لا يقدرون على التردد والسير في الطريق الواضحة المألوفة لهم لفعل، ولكنه فضلا منه وإحسانا أبقى عليهم نعمة البصر فحق الناس أن يشكروا ولا يكفروا.

ولو شاء ربك لمسح أعين الكفار، وأذهب أحداقهم وأبصارهم حتى لو أرادوا سلوك الطريق الواضح المعروف لهم لما استطاعوا، فكيف يبصرون حينئذ؟! ولو شاء ربك لمسخ الكفار والعصاة قردة أو خنازير أو حجارة، ولو شاء لمسخهم مسخا يحل بهم في منازلهم فلا يقدرون أن يفروا منه بإقبال ولا بإدبار وما استطاعوا ذهابا، ولا رجوعا، ولكنه لم يشأ ذلك جريا على سنن الرحمة وموجب الحكمة، فكان واجب أن يقابل ذلك بالشكر والعبودية لله، هذا نقاش للكفار وبيان لموقفهم، وقطع لأعذارهم، وبيان لفضل الله عليهم، وقد كانوا يقولون: لو امتد بنا الأجل، وطال العمر لفعلنا كذا وكذا. فيقول الله لهم: أعميتم فلا تعقلون أنكم كلما دخلتم في السن وتقدمتم في العمر ضعفتم اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً «١» وقد عمركم ربكم مقدارا يمكنكم فيه من العمل والتذكر أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ «٢» على أن الواجب أن تعلموا أنه كلما مر الزمان بكم وطال عمركم ازداد ضعفكم فإنه من يطل عمره انتكس خلقه وبدل سمعه صمما وبصره عمى وقوته ضعفا، ولذلك يقول الله: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ «٣» ، وقد تعوذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أن يرد إلى أرذل العمر..


(١) - سورة الروم آية ٥٤.
(٢) - سورة فاطر آية ٣٧.
(٣) - سورة النحل آية ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>