للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالباطل، قد دفعهم الكبر وحب الرياسة إلى هذا الجدال الممقوت، ما هم ببالغي ما يريدون، لأن الله أذلهم، وقضى على أطماعهم.

وقيل: إن الآية نزلت في يهود المدينة، وهي مدينة، الحق أن كل جدال في آيات الله من مشركي مكة أو يهود المدينة أو من غيرهم كبر مقته عند الله وعظم جرمه مطلقا، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

إذا كان الأمر كذلك فاستعذ بالله، والجأ إليه من كيد الكائدين، وحسد المشركين، وفيه رمز إلى أن ذلك كان من همزات الشياطين وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ «١» . إنه هو السميع لكل قول ونية، البصير بكل فعل وعمل، ولو كان من إشارات العيون وخطرات القلوب.

لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس بدءا وإعادة فلا تجادلوا في أمر البعث فإن الله خلق السموات وما فيها، والأرض وما عليها وما في باطنها من عوالم، فلا تظنوا أن الله هذا ليس بقادر على أن يحيى الموتى، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس.

ولا يستوي الأعمى عن الحق، والبصير به، ولا يستوي المؤمنون الذين عملوا الصالحات، وأحسنوا العمل، ولا المسيئون الذين أساءوا الفهم والتقدير حتى جادلوا في آيات الله كلها وكان تذكرهم قليلا جدّا.

إن الساعة لآتية لا شك فيها، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون لقصور نظرهم، وسوء رأيهم.

وقال ربكم: ادعوني أثبكم ثوابا يتكافأ مع أعمالكم، وفعلكم الطاعات، وترك الذنوب والآثام هو الدعاء، فمن ترك الذنب فقد دعا. وأخلص في الدعاء، ومن يقترف ذنبا فليس بداع إلى الله وإن دعا ألف سنة. وبعضهم فسر الدعاء بالعبادة، ويؤيد هذا قوله تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي ودعائي سيدخلون جهنم داخرين أذلاء صاغرين، وحق من يستكبر عن دعاء ربه الذي رباه وخلقه، وصوره فأحسن صوره أن يدخل جهنم صاغرا ذليلا، ومهينا حقيرا.


(١) - سورة الأعراف آية ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>