للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يميل إليه وينيب، ويقبل على طاعته، ويثوب إلى رشده، وما تفرقت أمم الأنبياء السابقة إلا من بعد ما جاءهم العلم بأن الفرقة ضلال وفساد، وبأنهم مأمورون بإقامة الدين وعدم التفرقة فيه، وهذا بلا شك ينطبق على الأمة الإسلامية تمام الانطباق.

تفرقوا عن الحق الصريح بغيا بينهم وحسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم أنه الحق. وفي القرطبي: عن ابن عباس أن المراد: وما تفرق أهل مكة إلا من بعد ما جاءهم العلم، أى: النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لأنهم كانوا يتمنون أن يبعث لهم نبي فلما أرسل لهم كفروا به وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً. اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ [سورة فاطر الآيتان ٤٢، ٤٣] وقيل: هم أهل الكتاب بدليل قوله تعالى: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [سورة البينة آية ٤] .

وكان هذا التفرق بعد مجيء العلم لهم بفساده ناشئا من البغي بينهم والحسد، وليس ناشئا عن قصور في الرسالات والحجج.

ولولا كلمة سبقت من ربك. وهي: وعدة بترك معاجلتهم بالعذاب إلى أجل مسمى عنده لقضى أمرهم واستأصلوا حين افترقوا لعظم جرمهم، وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم، وهم أهل الكتاب الذين كانوا في زمنه صلّى الله عليه وسلّم لفي شك من كتابهم مريب! فهم لم يؤمنوا به إيمانا كاملا ولذا تفرقوا فرقا شتى.

إذا كان الأمر كما ذكر وأن الأمم السابقة تفرقت واختلفت، وكان مبعث ذلك هو عدم الإيمان الصحيح الكامل فلذلك فادع إلى الائتلاف والاتفاق على الحنيفية البيضاء واستقم كما أمرت، واثبت على الدعاء إلى ذلك ودم عليه، وقد رأينا أن التفرق في الشريعة الإسلامية ظهر عند ضعف الوازع الديني، وقام به أناس دخلوا في الإسلام عنوة أو لغرض، ولم يدخلوه رغبة أو حبا فيه، هؤلاء قاموا بدور خطير جدا واستغلوا طيبة الشعوب الإسلامية وسلامة ضميرها، وحسن نيتها، ألست معى في أن هدف الشريعة الإسلامية هو الوحدة والاتحاد على قبول الحق، والبعد عن الخلافات المذهبية الضارة وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وليس المراد الاختلاف في الفروع الفقهية فذلك له سند من الكتاب والسنة وفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم أو هذا الاختلاف المذهبى في الفروع أشبه بالاختلاف في الرسالات مع اتفاق كل الأنبياء على مبدأ التوحيد الخالص

<<  <  ج: ص:  >  >>