للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شديد السواد من نار جهنم. مُتْرَفِينَ الترف: التنعم، والمراد، متنعمين بالحرام.

الْحِنْثِ: الذنب العظيم، وعليه الحديث: كان يتحنث في حراء، أى: يفعل ما يزيل الذنب العظيم، وقيل الحنث: عدم البر بالقسم، وكانوا يقسمون على أنه لا بعث، وأن لله شريكا. مِنْ زَقُّومٍ: هو شجر كريه الطعم والشكل. شُرْبَ الْهِيمِ: جمع أهيم وهيماء، والمراد بالهيم الإبل العطاش التي لا تروى لداء أصابها.

وهذا هو جزاء أصحاب الشمال، الذين حقت عليهم كلمة العذاب بعد ذكر السابقين وأصحاب اليمين ليظهر الفرق جليا بين عاقبة الطاعة ونهاية المعصية.

[المعنى:]

وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال؟! هم في ريح حارة تفعل فعل السموم، وتدخل إلى البدن من مسام الجسم، هم في سموم وحميم، أى: ماء شديد الحرارة وظل من دخان أسود من نار جهنم، وتسميته ظلا من باب التهكم، هذا الظل ليس باردا بل حارّا، ولا كريما، أى: ليس كريم المنظر، ولا كريم المخبر لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [سورة الزمر آية ١٦] .

وما سبب هذا؟ إنهم كانوا قبل ذلك في الدنيا مترفين، أتبعوا أنفسهم هواها، ولم يكن لهم رادع يردعهم بل ظلوا يتنعمون بالحرام، ويتكبرون عن الحق والحلال، وكانوا يصرون على فعل الذنب العظيم، وهو الشرك، وكل منكر قبيح، وكانوا كذلك يقسمون بالأيمان على أنه لا بعث ولا ثواب، وعلى أنه لله شركاء وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «١» وكانوا يقولون منكرين ومتعجبين: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون «٢» ؟!! والمعنى: أنبعث إذا متنا وكنا ترابا؟! وتقييد الإنكار والاستبعاد للبعث بوقت كونه ترابا ليس للتخصيص، فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت وإن كان البدن يظل كما هو، أنبعث نحن وآباؤنا الأولون؟ مع أنهم أقدم منا فبعثهم أبعد وأشد إنكارا.

وقد ذكر الله هنا سبب عقابهم في قوله: إِنَّهُمْ كانُوا ... الآية، ولم يذكر


(١) - سورة النحل آية ٣٨. [.....]
(٢) - الهمزة للإنكار والتعجب وتكريرها في أإذا وأ إنا لتأكيد الإنكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>