للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روى أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن نبتل، المنافق- وكان أزرق أسمر قصيرا خفيف اللحية- وكان صلّى الله عليه وسلّم يجالسه، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا نحن جلوس مع النبي في إحدى حجراته إذ قال: «يدخل عليكم الآن رجل قلبه جبّار وينظر بعيني شيطان» فدخل عبد الله بن نبتل، فقال النبي له: علام تشتمني أنت وأصحابك؟

فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي: «فعلت» فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت الآية

. وهذا معنى قوله تعالى: وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ «١» نعم حلفوا بالله أيمانا فاجرة، وهم يعلمون أنهم كاذبون، وتلك هي اليمين الغموس.

هؤلاء أعد الله لهم عذابا شديدا، وهو الدرك الأسفل من جهنم، إنهم بئس العمل عملهم؟ هؤلاء اتخذوا أيمانهم الفاجرة الكاذبة جنة ووقاية لهم حتى أمنوا القتل، وفي قراءة «إيمانهم» أى: الظاهري كان وقاية لهم من القتل، فصدوا المؤمنين عن سبيل الله، وهو جهادهم بقتلهم وأخذ أموالهم، وقيل: صدهم عن سبيل الله بإلقاء الأراجيف وتثبيط المسلمين عن الجهاد وتخويفهم من القتل، وقد كان المنافقون كذلك، ويترتب عليه أن لهم عذابا ذا إهانة في الدنيا والآخرة، لن تنفعهم أموالهم التي جمعوها، ولا أولادهم الذين يعتزون بهم، ولن يغنوا عنهم من عذاب الله شيئا من الإغناء، وكيف تنفعهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون؟ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

اذكر يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له أنهم مؤمنون، وما علموا أن ذلك لا ينفعهم أبدا ولا يليق بعاقل أبدا، يحلفون لله كما يحلفون لكم، ويحسبون أنهم على شيء من منفعة بسبب يمينهم، ألا إنهم هم الكاذبون المبالغون في الكذب، حيث كذبوا بين يدي علام الغيوب يوم القيامة في الحال التي يؤمن فيها الفاجر، فلا عجب إذ يحلفون لكم الآن، ولسائل أن يسأل عن السبب في هذا، والجواب: أنه استحوذ عليهم الشيطان فملك عنانهم، وغلب على عقولهم حتى اتبعوه بلا عقل ولا روية، وهذا هو سبب كذبهم وضلالهم السابق، استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، حتى نسوا أنفسهم


(١) - جملة استئنافية مسوقة لتعليل خسرانهم. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>