للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حلف، وطلب منها ألا تخبر أحدا، ولكنها أخبرت عائشة بما جرى، فعاتبها النبي صلّى الله عليه وسلّم.

فلما نبأت به وأخبرته عائشة، وقد أطلعه الله عليه، مع أنه كان سرّا بينهما، لما حصل هذا عرف النبي حفصة بعض الحديث الذي أفشته، قيل: هو قوله لها: كنت شربت عسلا عند زينب بنت جحش ولن أعود، وأعرض النبي عن بعضه الآخر تكرما لما فيه من زيادة خجلها، فلما نبأها به قالت: من أخبرك بهذا؟ أهو عائشة يا ترى أم من؟ فأجاب النبي: الذي أخبرنى هو العليم الخبير.

إن تتوبا إلى الله هذا خطاب لعائشة وحفصة كما روى عن عمر- رضى الله عنه- فلتوبتكما سبب وموجب فقد مالت قلوبكما عن الواجب، فإن الواجب أن تكونا في مرضاة رسول الله تحبان ما يحب وتكرهان ما يكره. وفي قراءة: فقد زاغت قلوبكما، والمراد: أسرعوا في التوبة وإرضاء رسول الله، وإن تتظاهرا عليه وتتعاونا على ما يسيئه بسبب شدة الغيرة فلن يعدم من يظاهره فإن الله مولاه وناصره، وجبريل وصالحوا المؤمنين كأبى بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة، والملائكة بعد ذلك ظهراء له ومتعاونون على إرضائه، ومن كان كذلك فليس في حاجة إلى أحد بعد.

وهاك تهديدا آخر: عسى «١» ربه إن طلقكن أن يعطيه نساء بدلكن خيرا منكن لأنكن لو كنتن خيرا، ما طلقكن. يبدله أزواجا مسلمات مخلصات، مؤمنات مصدقات تائبات راجعات إلى الله في كل حين، عابدات كثيرات العبادة، سائحات صائمات ثيبات وأبكارا «٢» .

ألست معى في أنه لا ينبغي لأحد أن يمتنع عن تناول ما أحله الله؟ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ «٣» وفي أن الكفارات تجبر الخلل الذي يحصل منا، وفي أنا عرفنا موقف النساء بعضهن من بعض وغيرتهن، أليست هذه القصة دليلا


(١) عسى في القرآن واجب تحقيق ما بعدها إلا هذه، وقيل: هو واجب ولكن الله- عز وجل- علقه بشرط وهو التطليق.
(٢) ذكرت صفات بلا عطف لأنها تجتمع في موصوف واحد ولشدة ارتباطها ترك العطف، وأما في قوله:
(ثيبات وأبكارا) فعطف لتباين الوصفين والعطف يقتضى المغايرة.
(٣) سورة المائدة آية ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>