للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع خلقه، فهو صاحب التصرف التام في الموجودات «١» على مقتضى إرادته ومشيئته بلا منازع، وهو على كل شيء قدير وهو الحكيم الخبير، ولفظ «تبارك» يدل على غاية الكمال ونهاية التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعماله في حق غيره سبحانه وتعالى ...

وقد شرع القرآن في تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة، وبيان أن لهما حكما وغايات جليلة كلها تعود على الإنسان بالخير العميم.

وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدرهما على كل كائن في الوجود، وراعي ترتيبهما الوجودي فقدم الموت على الحياة. ولعل في ذكر الموت مقدما عظة وعبرة لمن يعتبر، قدرهما ليعاملكم «٢» معاملة من يختبر أمركم فيعرف خيركم وشركم، ويعلم أيكم أحسن عملا! وأكثر إخلاصا، وأبعد عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله، وكان المفروض أن يكون عمل الإنسان دائرا بين الحسن والأحسن لا بين الخير والشر، وقد خلق الله الموت والحياة ليبلوكم وليختبركم، فالحياة محل الاختبار والتكاليف، والموت محل الجزاء والثواب الذي هو نهاية الاختبار، وهو العزيز الذي لا يعجزه عقاب من أساء، الغفور لمن شاء أو لمن تاب.

وهو الذي خلق سبع سموات متطابقة بعضها فوق بعض، وهل السموات هي مدارات الكواكب أو مادة لا يعلمها إلا الله؟ الظاهر- والله أعلم- من مجموع النصوص الواردة في القرآن والسنة أن السماء مادة لا يعلمها إلا الله، والعلماء الطبيعيون يقولون: إنها فراغ يدور فيها الكواكب. والخطب سهل، لو تبصر الإنسان لرأى أن الله هو الذي خلق سبع سموات- والعدد على حسب ما كان معروفا عند العرب متطابقة بعضها فوق بعض أشبه ما تكون بطبقات البيضة، ليس فيها عيب ولا خلل، ولا ترى في خلقها تفاوتا في أى ناحية من النواحي، إن كنت في شك في ذلك فارجع البصر، ودقق النظر حتى يتضح لك الحال، ويتبين لك المقام، ولا تبقى


(١) - وعلى ذلك يكون قوله «بيده الملك» استعارة تمثيلية، أى: لفظ اليد مجاز وليس على حقيقته. ويرى السلف أن اليد على حقيقتها والله أعلم بها.
(٢) - في قوله (ليبلوكم) استعارة تمثيلية حيث شبه معاملة المولى جل شأنه لعباده بالابتلاء والاختبار.

<<  <  ج: ص:  >  >>