للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعنى:]

كان النبي صلّى الله عليه وسلّم في أول اتصاله بالوحي ولقائه له يتأثر بذلك كثيرا، وكان يتزمل بعده ويتدثر، حتى انقطع عنه الوحى حينا ثم جاءه على شوق منه إليه، وربما كان هذا التخلف ليهدأ روعه وتسكن نفسه، وقيل: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصيبه من أذى قومه ما يجعله يعتزل مجتمعهم مفكرا ويجلس متدثرا بدثاره في بيته، فجاءه الوحى يحضه على ترك العزلة، وعلى التشمير للدعوة.

يا أيها المدثر الذي اشتمل بدثاره كمن لا يهمه أمر ولا يعنيه شأن، والمستغرق في أفكاره، والمتهيب للقاء الوحى: قم نشيطا من مضجعك، ولا تجعل لليأس سبيلا إلى قلبك، فإن العناية الإلهية أعدتك لرسالة سامية خالدة، ولنشر دين عام هو خاتم الأديان، قم فأنذر الناس بذلك الدين، وخوفهم عاقبة الكفر به، هذه الرسالة التي كلف النبي بها، والتي جاءت لتهدى الناس إلى الطريق الحق، وتجعلهم يعبدون الله الواحد الأحد بعد الأصنام والأوثان والصاحبة والولد، ليست بالأمر الهين السهل، تصور أنك تحاول أن تقنع شخصا بترك ما يعتقده وورثه عن آبائه.. لذلك أرشد الله نبيه إلى طريق النجاح في تلك الدعوة الإسلامية، وإنها لأسلحة جبارة لو استخدمت استخداما صحيحا لكسب صاحبها المعركة وهي:

١- وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ نعم مهما يكن من شيء فكبر «١» ربك وحده، ولا تشرك به غيره، وخلص عقلك من أوهام الشرك وعبادة ما لا ينفع بل يضر.

٢- وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ تطهير الثياب كناية عن تطهير النفس عما تذم به من الأفعال، ولذلك قالت العرب: فلان طاهر الثوب أو طاهر الجيب، يريدون بذلك وصف نفسه بالنقاء من المعايب وسىء الأخلاق، ولا غرابة في ذلك إذ الثياب مما يلازم الإنسان في جميع أطوار حياته. وقد يطلقون الثياب ويريدون ذات النفس أو القلب، وعليه قول عنترة.

فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم


(١) وهذا إشارة إلى أن الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، وهكذا كل فاء آتية هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>