للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الأبرار لفي نعيم، يشربون شرابا ممزوجا بالكافور، هذا الشراب مستمد من عين جارية لا ينفد ماؤها، أعنى عينا يشربها عباد الله، يجرونها حيث شاءوا فهي طوع إرادتهم.

وكأن سائلا سأل: بماذا استحقوا تلك الكرامة، وهذا النعيم؟ والجواب: إنهم يوفون بالنذر، ويخافون يوم الحساب فإن شره مستطير، وهم يتمتعون بخلق كريم فاضل، والوفاء بالنذر الشرعي الذي هو قربة إلى الله كنذر صيام أو صلاة أو صدقة دليل على قوة الإيمان ومضاء العزيمة في الخير، وإذا وفي الإنسان بالنذر لأنه التزام، فالوفاء بالواجب المكلف به شرعا أحرى وأهم له، بل هو من باب أولى، تلك هي الخصلة الأولى للأبرار. والخصلة الثانية: خوفهم من الحساب، فهذا الخوف يدعوهم إلى عمل الصالح من الأعمال، وترك الفحش من السيئات، وهذا اليوم جدير بالخوف من العقلاء لأن فيه شرا مستطيرا منتشرا في كل جهة.

والخصلة الثالثة: تمسكهم بالخلق الفاضل، وتحليهم بكرم الفعال كإطعام الطعام للمحتاجين، وبالتجربة كان الإطعام والبذل لله دليلا على صدق الإيمان، وقوة اليقين هؤلاء يساعدون المحتاج، ويمدون إليه يد المعونة وخاصة الإطعام، والمحتاج مسكين قانع أو يتيم محروم أو أسير ذليل، هم يطعمون الطعام مع حبه وشدة الحاجة إليه.

وقد روى عن علىّ- كرم الله وجهه- وزوجه فاطمة- رضى الله عنها- أنهما نذرا لله نذرا إن شفى الحسن والحسين سبطا رسول الله فسيصومان ثلاثة أيام، فشفاهما الله فصاما ولم يكن عند هما إلا ما يفطرهما فقط، وعند المغرب سألهما مسكين طعاما، فأعطياه الطعام مع الحاجة إليه وباتا على الطوى: وفي اليوم الثاني سألهما يتيم فأعطياه مع شدة الحاجة، وفي اليوم الثالث سألهما أسير فأعطياه وقد صاما ثلاثة أيام متوالية بلا طعام.. عند ذلك نزل جبريل على النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذه الآيات ثم قال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك.

هذا هو الإيمان السليم من كل شائبة، يطعمون الطعام على حبه قائلين بلسان الحال لا بلسان المقال، قالوا: إنا نخاف من ربنا عذاب يوم تعبس فيه الوجوه من كثرة ما تلاقى: عبوسا لشدة هوله وعظيم خطره على العباد، يوما عبوسا قمطريرا، أى:

شديدا مظلما.

<<  <  ج: ص:  >  >>