للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالسَّابِقاتِ «١» أى: فبعض الكواكب تسبق بعضها في الجري. فالمدبرات أمرا للعباد في معاشهم وحياتهم كتوقيت المواقيت، وتكوين الفصول، وما يتبع ذلك من نظام الحياة البشرية، وليس المراد تدبير أمر الخلق تدبيرا كاملا على ما يعتقد بعض عبدة الكواكب فهذا كفر صريح، بل المراد: بها يكون ذلك.

وبعضهم يرى أن الله أقسم بالملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد نزعا. فهي تنزع قلوب الكفار نزعا بشدة وإغراق ومبالغة، وهي تنزع قلوب المؤمنين برفق وهوادة وهذا معنى الناشطات نشطا، وذاك معنى النازعات غرقا، والمراد بالسابحات الملائكة تسبح في الفضاء نازلة بأمر ربها، وأما السابقات فالملائكة تتسابق في تنفيذ الأمر، والمدبرات هم الملائكة، وقد وكل الله لكل طائفة تدبير أمر والقيام عليه بإذنه وعلى العموم فالله أعلم بسر كتابه، أقسم الله بالنازعات والناشطات فالسابقات فالمدبرات لتبعثن بعد الموت. ولتنبؤن بما عملتم يوم ترجف الراجفة، وتضطرب الأرض والجبال بسبب النفخة الأولى. تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية، أو المراد تتبعها الرادفة وهي السماء يوم تمور مورا. وتنشق انشقاقا.

يوم ترجف الأرض والسماء تكون قلوب الكفار يومئذ قلقة خائفة لأنهم أبصروا ما كانوا ينكرون. ورأوا ما به يوعدون، أبصارهم خاشعة ذليلة، أرأيتهم وهم يضطربون عند ما رأوا العذاب يوم القيامة؟! انظر إليهم وهم يقولون في الدنيا ساعة ينذرون بالبعث يقولون منكرين: أنرد إلى حياتنا الأولى؟! بعد أن متنا وكنا ترابا، إن هذا لعجيب! وقد حكى القرآن عنهم قولهم ثانية: أإذا كنا عظاما بالية متفتتة ليس فيها حياة ولا حرارة أنرد ونبعث!! إن هذا لعجيب! أما القول الثالث: فقد قالوا مستهزئين بالنبي وبوعده بالبعث: تلك إذا كرة خاسرة على معنى: إن صح ما يقوله محمد، وأن هناك حسابا وثوابا وعقابا وحياة بعد أن صرنا ترابا فنحن إذا خاسرون، وتلك رجعة خاسر أصحابها حيث لم نعمل لها!


(١) عطف بالواو ثم بالفاء مع أن المراد إما الكواكب أو الملائكة فالموصوف واحد، وإنما نزل تغاير الصفة منزلة تغاير الذات فجاء بالواو التي تدل على المغايرة وكانت الفاء في قوله: فَالسَّابِقاتِ، فَالْمُدَبِّراتِ للدلالة على ترتبهما على ما قبلهما بغير مهلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>