للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالية البناء والركن، لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، بل هو الحديث العذب، والفاكهة الحلوة، التي لا عبث فيها ولا مجون.

انظر إلى وصف أهل الجنة بالسرور والرضا عن أعمالهم في الدنيا، وأنهم في جنة مرتفعة، ثم هم لا يسمعون لغوا فيها، كما نرى عند الأغنياء والمترفين، في تلك الجنة العالية عيون لا ينقطع ماؤها ولا ينضب معينها. وفيها سرر مرفوعة قد أعدت للجلوس عليها أو النوم، وفيها أكواب موضوعة لاستخدامها وتناول المشروب بها وفيها نمارق ووسائد قد صفت على الأرائك والمقاعد، وفيها البسط الجميلة المنقوشة كالزرابى المبثوثة، وفي الواقع فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون.

ولا عجب في هذا!! أنسوا فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت «١» إنها خلقت على شكل بديع يدل على أن خالقها عليم بها بصير، أرأيت إلى عنقها وطوله وإلى خفها وحافرها كيف أعد للسير في الصحراء وإلى معدتها وكيف وضعت على شكل يسهل معه حفظ الماء أياما، أو لم ينظروا إلى السماء وما فيها كيف رفعت وعلقت في الهواء مع سرعة دورانها وشدة تجاذبها، أو لم ينظروا إلى الجبال كيف نصبت كالأعلام يهتدى بها السارى، ويلجأ إليها الخائف، ويقصدها المتنزه والمصطاف، أو لم ينظروا إلى الأرض كيف سطحت وبسطت، ومهدت للعيش عليها، أما جمع الإبل والسماء والجبال والأرض في سلك واحد فتلك هي أهم المرئيات عند العربي المخاطب بالقرآن الكريم ألا يدل ذلك كله على أنه قادر على كل شيء، إذا كان الأمر كذلك فذكر يا محمد هؤلاء الناس، واحملهم على النظر في ملكوت الله لعلهم يتفكرون، ولا تأس عليهم، إنما أنت مذكر فقط، لست على قلوبهم مسيطرا، إنما الذي يملك القلوب هو الله وحده، فهو الذي يقدر على إلجائهم إلى الإيمان، ولست عليهم مسلطا إلا من تولى وأعرض فسيسلطك الله عليه: أو المعنى: لست مستوليا عليهم لكن من تولى وأعرض فإن الله معذبه العذاب الأكبر، لأن إليه إيابهم، ثم إن عليه حسابهم.


(١) (كيف) حال مقدم من ضمير خلقت، وجملة (خلقت) : بدل اشتمال من الإبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>