للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأمن صاحبه ومن دخل فيه من كل صوب، بل يأمن فيها الطير والوحش والقاتل المطلوب، ولكن ما المراد بالتين والزيتون؟ هل هما الشجرتان المعروفتان؟ وأقسم الله بهما لمزيد فضلهما، ولمكانتهما الطيبة المعروفة، غير أن النسق العام للقرآن البليغ يأبى ذلك، ولهذا قيل: المراد بهما مكانهما، وهما يكثران في الشام التي كان فيها السيد المسيح عليه السلام، وعلى ذلك يكون القسم بهما للإشارة إلى المسيح وبطور سيناء للنبي موسى كليم الله، وبهذا البلد الأمين لخاتم الأنبياء والمرسلين- عليه الصلاة والسلام-.

وبعض العلماء يقول: التين والزيتون موضعان في الشام، وهذا يحتاج إلى تصديق الواقع له.

قد أقسم الله بهذه الأمكنة المقدسة لشرف من حل بها من الأنبياء والرسل لقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، أى: على أحسن حال وأكمل صورة، ألا تراه وقد خلقه مستوى القامة مرفوع الرأس، يأكل بيده، قد وهبه العقل والتفكير، والقدرة على تسخير غيره من الحيوان والنبات، بل امتد عقله، واتسع تفكيره إلى أن سخر الطبيعة وذللها لأغراضه ومنافعه، والشواهد على ذلك كثيرة الآن.

ولعل السر في هذا القسم لفت أنظار الناس إلى أنفسهم، وما ركب فيها من قوى وإدراك وعقول وتمييز ليصلوا بهذا إلى توحيد الله القوى القادر، هذا الإنسان الذي خلقه ربه فأكرمه ونعمه، وجعله يستولى على جميع العوالم، قد كان في أول أمره ساذجا قليل الأطماع، لم تتنبه فيه غرائز الشر، ثم تنبهت فيه عوامل الشر، وغرائز السوء حتى ظهر الحقد والحسد والتنازع والإفساد، وكان القتال والنزاع والحروب. وأصبح الإنسان كالحيوان المفترس.

وضريت نفسه حتى صار أعظم اغتيالا لأخيه الإنسان من السباع، وهذا معنى قوله: ثم رددناه أسفل سافلين، ففطرة الله التي فطر الناس عليها تدعو إلى التراحم والتعاون وإيثار العدل والخلق الكامل، ولكن الإنسان قد ينزع إلى الشر بعوامل البيئة التي تحرك فيه مصادر السوء. وحينئذ ينسى فطرته، ويعود إلى حيوانيته. ويعمل عمل أهل النار، فيكون أسفل من كل سافل وأشد من كل حيوان ضار.

<<  <  ج: ص:  >  >>